" كل المتدخلين في مجال التعمير مجمعون على ضرورة احترام "الثوابت" في هذا القطاع وحماية المناطق الطبيعية والغابات المحيطة بمدينة طنجة كغابات 'الرميلات' و'الرهراه' و'سلوقية". "حوالي 90 في المائة من البنايات الأثرية المصنفة بمدينة طنجة أدخلت إلى لائحة المباني المصنفة خلال السنوات القليلة الماضية، ومن بينها 'فيلا هاريس' التاريخية، بهدف المساهمة في الحفاظ على تراث مدينة طنجة". " يتعين تعزيز هذه الثوابت من خلال وقف الترخيص بالبناء في هذه المناطق ومراجعة أي ترخيص لم يحترم الضوابط القانونية والعمل على تطبيق قانون التعمير في حق المخالفين". "ضرورة مواصلة الجهود في مجال محاربة البناء العشوائي عبر إيجاد حلول قانونية لفتح التعمير أمام مختلف شرائح المجتمع وأيضا زجر المخالفين، بالموازاة مع توفير التجهيزات الأساسية والمرافق العمومية في مناطق التعمير الجديدة". كانت هذه فقرات من كلمة الوالي حصاد، والي جهة طنجة – تطوان، قبل حوالي سنة من الآن، التي ألقاها خلال اجتماع المجلس الإداري الحادي عشر للوكالة الحضرية لمدينة طنجة، حينها أعتبر كاتب الدولة المكلف بالتنمية الترابية أن الحفاظ على المناطق الخضراء مسؤولية جميع المتدخلين في مجال التعمير، باعتباره قطاعا حيويا متصاعدا. فماذا تغير إذا في ظرف أقل من سنة ؟ حينما نضع مطالب الشارع المغربي في ظل الحراك الشعبي الذي نعيشه، و موجة الاحتجاجات التي تعرفها البلاد على مختلف المستويات، في كفة، و نضع الطريقة التي تتعامل بها السلطات و المسؤولين على مختلف المؤسسات العمومية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو رياضية، في كفة أخرى، يتجلى لنا الاختلال الكبير في التوازن بين الحالتين، حيث كان من المفروض التعامل مع كل القضايا التي تتعلق بالشأن العام، الوطني و المحلي، بحذر شديد، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المواطنين تعلموا جيدا كيف يطالبون و بكل ما أوتوا من وسائل، و يعبرون خارج نطاق الصمت، و دون خجل و لا خوف، عن كل ما يرونه حيفا في حقهم، و حق بلدهم، و لا أحد ينكر على المغاربة وطنيتهم و روحها التي تغيب عن الكثير ممن هم تحت دائرة الضوء، و يستفيدون من خيرات هذا البلد، غير مبالين بالكوارث التي يتسببون فيها، لأنهم و بكل بساطة مواطنون ضيوف، حاملي جنسيات أجنبية، تحسبا لكل ما من شأنه أن يقلق راحة بالهم، أو يقف في وجه أطماعهم الدرهمية، لذا نجدهم وراء كل ما هو نهب للمال العام، و سطو على أراضي الجموع، و قضاء على المساحات الخضراء، و إقبار لكل ما هو محسوب على المعالم التاريخية، و اغتيال الغابات، لإشباع رغباتهم الإسمنتية الآجورية، في تحدٍّ سافر لكل إرادة نبيلة، من شأنها الحفاظ على البيئة و جمالية المدن، و كان آخر طامة تلك التي لا أظن أنها ستمر بسلام، و المتعلقة بالمحمية الطبيعية المسماة " غابة السلوقية" التي قامت طنجة بسببها و لن تقعد، حتى يتراجع أولائك المتربصين بكل ما هو جميل في هذه المدينة عن رغباتهم، المتمثلة في القضاء على ما تبقى من رئتيها، و اغتيالها إيكولوجيا، تحت يافطة مزيفة، تحمل عنوان" المشاريع الاستثمارية" التي لم ترى منها هذه المدينة إلا ترديا وضياعا و بؤسا، بتواطؤ مع المسؤولين بها، و الذي يعتزمون الآن التراجع عما قرروه سابقا، بمحاولة تغيير تصميم التهيئة الذي بمقتضاه سيتم تفويت الغابة المذكورة لوحوش العقار لاغتصابها، و اغتيال أشجارها، و حرمان المدينة و ساكنتها من متنفس بات الوحيد المتبقي، بعد اغتيال مثيلاتها من الغابة الديبلوماسية المعروفة عند أهل المدينة ب" غابة الميريكان" و قبلها غلبة الغندوري، و الرهراه، و للأسف فهذه المناطق لم يتذوق روعتها إلا من عاش في طنجة فترة السبعينات، و بداية الثمانينات، و تذوق طعم التنزه بين أشجار عشابة، و الرميلات و سيدي احساين، و هم أكيد، ليسوا ممن يقررون مصير المدينة الآن. في ظرف سنة، تحرك المغاربة، ولا ننكر النتائج التي تحققت بفضل الاستجابة لبعض مطالبهم، و التغييرات التي طرأت على بعض مؤسسات الحكم - الحكومة و البرلمان- و كان لذلك و قع كبير في نفوس الجميع، لكن و بالمقابل لا زلنا نشهد بعض الممارسات التي لا محل لها من الإعراب في ظل هذه المتغيرات، و لا تتناسب أبدا مع ما يعرف بالمغرب ما بعد 20 فبراير، و تاسع مارس، و فاتح يوليوز، و 25 نونبر، ممارسات تؤكد لنا مرة تلوى الأخرى، أن أناسا في هذا البلد، لا زالوا لم يستوعبوا الدرس كما ينبغي. أناس يبعثون و في كل مرة رسائل إلى المغاربة، يفهمونهم فيها أن لا شيء تغير، و أن القوي لا زال قويا، و الضعيف سيظل ضعيفا، و أن المغرب لهم و لا لغيرهم، و هم أقوى من أي إرادة شعبية بالتغيير و محاربة الفساد، و هذا واضح من خلال كثير من الإشارات التي ظل المواطنون يتلقونها، فقد أقيمت مهرجانات رغم أنفنا، و فرض علينا مدرب أجنبي ضدا على رغبتنا، و كثير من الأمور التي كنا كارهين لها، فهل يظن هؤلاء أننا سنظل مكتوفي الأيدي أمام جشعهم و طمعهم، و استحواذهم على الملك العام، الذي هو ملك لنا، و نحن لا نقبل لا ببيعه و لا بتفويته ؟، و هل يبقى الوالي عند وعوده، و يحمي الغابات و تراث المدينة من الناهبين ؟