لن نحصر الأحداث هاته المرة في عام من الأعوام، لكن سنستحضر بعض المشاهد التي كانت مألوفة مع الأجواء الرمضانية، وسنتحدث هنا على وجه الخصوص عن "الشبيرة" د الحومة من النوع "السلبي" الذي لم يكن يشغله سوى تعكير مزاج الصائمين بدءا من أسرته الصغيرة، مرورا بالمارة ووصولا إلى شي "تفليقة" فالراس أو "بياتة" فْلاكَابْ وما أدراك ما "لاكاب" فيما مضى. لماذا قلنا "الشبيرة" السلبي؟، هل يعني أن هناك "شبيرة" إيجابي، واقع الحال أن هناك فرق بينهما، فالأول لم يستطع أن يغير نفسه نحو الأصلح له ولمحيطه، كبر في السن وظل تفكيره قاصرا غير قادر على التموقع وترك بصمة هادفة، بينما الثاني علمته السنين والتجارب أن " التْبوطِيرَة" مهما كانت القوة تكون النتائج ديالها قبيحة، وربما تجربة السجن لقنته أيضا الكثير من الدروس والعبر التي جعلته يتغير فجأة إلى نموذج للإنسان الإيجابي بعد مغادرته أسوار السجن بفترة، وجعلت منه رجلا متعاونا مع أبناء الحي، فتراه في كل المواقف هو السباق إلى المبادرات المحمودة (أعراس، جنائز، حوادث، مواقف تستوجب التدخل …) .. فقد تاب توبة نصوحة ومسح تلك الصفحة من ماضي يذكره فقط بالسلبيات. بالمقابل؛ كان من عادة "الشبيرة" السلبي أنه يستيقظ كما العديد من المخلوقات الأخرى -خصوصا في شهر رمضان- والساعة متأخرة، بعد الظهر أو قبيل العصر، وهناك البعض منهم من كان ينتظر الوقت الأقرب إلى أذان المغرب بلحظات ليطلق العنان ل "حماقيته" وخلق حالة من "السطوربو" لمن كان قائما أو قاعدا أو مارا عابرا عبور الكرام. يعزو تلك الحالة من "الهرطقة" إلى "المونو" أو "القطعة" أي الحرمان من أشياء يجدها منعشة للدماغ بينما هي "منعسة" لكل الحواس ومنغصة على واقع الناس، فما أن ينتصف اليوم وتعلن الشمس صحوتها حتى ينطلق "الطرونسفورماطور" عند صاحبنا .. يجلس فؤاد المراغا (طعم السمك)، ولقب المراغا هذا التصق به أيام نهمه بالصيد "بالقصبة"، كان عاشقا للبحر ونسماته ويفقه في المد والجزر كأنه قبطان فعلي، لكنه في لحظة طيش رمى بنفسه في أصفاد "البلية" التي مرغت وجهه ووجوده في التراب ولم يعد له في الحي من نسبة احترام وتوقير إلا الشيء القليل جدا إن لم نقل أنه انعدم. تصادم مع أقرانه وأصدقاء الصبا وخلف وراء "حماقيته" المتواصلة نصيبا لأسرته من النزاع مع الجيران بعدما كانت نموذجا لأسرة يحترمها البعيد والقريب ومن جاورها ومن سمعها من هنا وهناك. (يجلس) المراغا قرب دكان صغير لصاحبه "مجيدو"، وينطلق حوار بدون "ركايز" بينهما: – مجيدو: فاين أخاي المراغا؟، – فؤاد: ها حنا أخاي "مزيدو"، وما تبقاشي تجبد لي حس المراغا .. ما بقيتشي كنحمل النسمة د الحوت" – مجيدو: واييه مناخرك خلاوا المراغا والهوا د البحر ومشيتي تابع الخلا والأذية خانزة كتر من التقاشر – فؤاد: خاي "مزيدو" وهانتينا غتسعلني (غتشغلني) ونزقدوا فطابت وما تحرقتشي حيت ما عملولاشي ليقاما – مجيدو: الله يا خاي "المراغا" .. شعندك طايب على سبة فحال التاكرا – فؤاد: سعندك (شعندك) أ "مزيدو" دقمك فيه غير المراغا والحوت .. بايت فالفران مشرمل مع الشطون؟ – مجيدو: أودي ما كينشي شي تشرميلة قد هذي ديالك .. الناس صايمة وعايشة الأجواء ونتينا بوحدك أ مسخوط الحومة اللي ما بغيتيشي تعوط راسك.. – فؤاد: أ خلينا من هاد المهاودة د عزيزة، ودبر عليا شي سطيار بغيت نقول لك شي شقيف؟ – مجيدو: إيلا ما بعدتيشي من قدامي غنشقف لك راسك .. إيوا هاد هو المونكار بالتشنوك. يبتعد فؤاد عن محل "مجيدو" اتقاء للعواقب، يرمق رفيقه المسائي سعيد " بَالَانْغَانَا"، يتجاذبان أطراف حديث قصير حول الحال والأحوال، يدعوه سعيد لمرافقته إلى ملعب الحي لمتابعة "الطروفيو" الرمضاني، فيجيبه فؤاد : "ما عنديشي الكانة هاد الساعة" … تمضي 5 دقائق، رجل كهل يمر حاملا في يديه ما تيسر من أغراضه و"التقيوتات" بمناسبة الشهر الفضيل، تتجه أنظاره إلى وجه فؤاد، ويواصل سيره غير عابئ، لكن فؤاد كان له رأي آخر، ويعتقد في قرارة نفسه أن الشارع في ملكيته الخاصة، فلا حق لأحد في المرور حيث يجلس ولا يجوز للناس أن ينظروا إليه ولو بالخطأ. أعلن "المراغا" ما يشبه "النفير" إلى الحرب وأطلق سمفونيته المعهودة حيث تغيب أسنانه التي فقدها جراء نطحة تلقاها من "شبيرة" سابق كان "جغايمي" ورياضي من الرياضيين النجباء في عصره. تابع فؤاد الرجل الذي قد يكون وصل إلى منزله لحظتها وهو يردد: "سعندك كتسوف فيا، ما تسوفسي فيا، كنعمل السيركو، كنسطح القرودا بلا بندير"، .. تنطلق موجة من الضحك بين ما حضروا وشهدوا الموقف، فيصب فؤاد جام "حماقيته" عليهم، مرددا تلك الأسطوانة التي مفادها أنه الشبيرة وأن كل البلايك (علامات التشوير) تشهد على مغامراته وأزلياته التي لا علاقة لها بالواقع ولا بأحداث معاشة وإنما هي جزء من مخيال ترسخ ف "المخياخ" د فؤاد بسبب إدمانه على أفلام أميتابتشان والدارميندرا وبروسلي .. "تلاتين عام وأنا فالحوما، وما عاباقسي ببنادم، وبنادم تابعني بالبلوطا .. باعطاسارعام د الهينون عمرو بنادم زعم عليا، العواول د البارح (علما أن الرجل الذي مر كان عمره أضعاف عمر فؤاد) يبداوا يماركيونا بعينوم ….". استمر الضحك بين الذين حضروا أو مروا، بعضهم يدعو فؤاد للتهدئة وآخرون يدعون له بالهداية .. "العواشر هذي أخاي المراغا .. صافي العن الشيطان .. ونتينا هاد القاعيدة ما بغاتشي تزول منك، كتقرب المغرب كترجع مهيشر".. لا يلتفت فؤاد لكلامهم ويواصل نفس السمفونية وبإيقاع ممزوج بلغات لا هي حية ولا هي ميتة ولا هي ترقد في غرفة الإنعاش. يقترب موعد أذان المغرب، حركة تدب في المكان، الأصوات تخفت أكثر فأكثر، أطفال يلعبون "الطرومبا" بينما آخرون يداعبون طبولا صنعتهم أناملهم، سيارة إسعاف تطلق صافرة الإنذار والسيارات تفسح لها الطريق للعبور، باعة الخضر والفواكه يعدون العدة للمغادرة، أصحاب "الكرارس" هم أيضا يعدون العدة للإفطار مع أسرهم .. يعم الكثير من الهدوء أرجاء المكان، بعضهم يتساءل عن موعد الكلاسيكو بين البارصا والريال؛ وأحدهم يبحث في المخبزة عن الشباكية، في الوقت الذي يطفئ "المعلم د الفران" آخر جمرة نار ليوقع على آخر "وصلة" خبز جاد بها اليوم … وسط كل هذا؛ وحده فؤاد "المراغا" مازال على حاله "والكشاكش" في فمه، لأن "الطورنيوس" تفسخوا له كاملين في انتظار التشابيسطا.. حان الآن موعد أذان المغرب، تقبل الله منا ومنكم، واللي فيه شي بلية الله يعفو عليه.