عندما نكون قد خلّفنا الدنيا وراء ظهرنا وافتقرنا إلى ما عند الله، سيعمر جيل جديد هذه البلاد السعيدة، في ظروف وصروف مختلفة، بعقلية ونقلية متباينة، بسرعة وجرعة مغايرة، طبقاً ووفقاً لقانون الطبيعة وما وراء الطبيعة، لا شك. ولأن الإنسان، مهما تقدم وتطور وقفز إلى الأمام، فإن التفاتته إلى الوراء تظل موثوقة بخط رفيع ينتهي طرفه الآخر في تخوم الماضي/ التاريخ... وهكذا، يخبرنا الحاضر الذي سيصير ماضياً، بأن مواطن الغد سيقلّب أورق زمننا هذا وسيتوقف عند أيامنا هذه، وسيبتسم ويكتفي بالابتسامة. كان حتى كان، في غابر العهد والزمان، في هذا البلد ووالد وما ولد، حكومة "تقطَّع" القلب من غلبها وانهزامها أمام اشتداد "المقاطعة" الشعبية القوية للسائل الأبيض والسائل الأسود والسائل الذي يسري بينهما بلا لون ولا طعم ولا رائحة ولو أنه يباع بأكثر من ستة دراهم (كانت فلوووساً في ذلك العهد!!)...
يومئذ، سيقول قائل: لم تخبرنا كتب التاريخ ولا الجغرافيا ولا سجلات (الخصوصية المغربية) حتى هي بوجود حكومة مشابهة لحكومة (عام المقاطعة) من حيث ضعفها وارتباك أعضائها وقلة من يساندها ويساهم في تنسيق ألوانها وتنميق فسيفسائها... وحدها المتناقضات، كانت ميزتها الأساس، وإذا ما كشرت عن أنيابها المصابة بالتسوس من كثرة أكل حلوى "المخزن"، فإن ذلك يكون في وجه الفئة المستضعفة من الشعب الذي منحها قواه وبقي منخور القوى... الحكومة التي خرجت من (قماقم الاقتراع) بعد الانقلاب على نتيجة صناديق الاقتراع فيما أطلقت عليه صحافة ذلك الزمان ''البلوكاج'' وجدت نفسها في حيص بيص وهي ترى بأم عينها الحولاء الحوَر الذي يزين عيني الحسناء الفاتنة المسماة "مقاطعة" بنت "مقاطع" التي ظفرت بلقب ملكة جمال المعجم المغربي المطرز بحُب وهوى المغرب الحبيب العجيب الغريب... وكان في الحكومة "ديال بلعاني" وزير كبير وخبير في "شبوق لحكام"، إذا تكلم تصطك له أسلاك جهاز التلفاز، وترى المواطنين، من شدة الضحك، يلقون بظهورهم على مساحة زرقاء كانت يطلق عليها الفيس بوك، وهي والله أعلم، ساحة غير منتهية الأطراف يدخلها، افتراضاً، من هب ودب ومن ثقلت قيمته أيضاً، ومن لم يذب فيها يخرج للحكومة المعلومة في حمأة الواقع يرغي ويقض مضاجع أصحاب المعالي... وكذلك كان؛ ففي الوقت الذي كان المواطنون دافعو الضرائب ينتظرون تعاطياً إيجابياً مع فلسفة المقاطعة كدرجة قصوى من النضال السلمي المطلوب، خرج لهم- من الخلف- ناطق هوائي يتوعد الناس بالسجن... نغلق الكتاب بقوة، ونكمل الحدوثة في الليلة المقبلة، وإلى ذلك الحين (المقاطعة مستمرة) والحكومة مستمرة في ارتباكها، تنتظر (الوحي) من فوق... - نلتقي! [email protected]