صباح ورد و ريحان يعطران مثواك عزيزي جمال، يا أخي في أمل أليم إسمه المسرح، كما باقي أحبائك و أصفيائك في العشق و الحياة، لم أصدق بعد أنك رحلت، رحلت بعد صمود بطولي مع سقام قاومته بعناد شاعري و إصرار ناعم، ربيته عبر مشوار عشق صوفي للمسرح سيد المجازات. إلتأم في غرفتك مزيج من أحبتك في المسرح و نخبة من أفراد العائلة والأصدقاء، القدماء منهم والمحدثين ولم يغب شباب الحي و قد تقاطروا على البيت كما الماء الزلال رووا روحك إعترافا وإمتنانا لدور ريادي صامت طالما لعبته في مرافقتهم بالتأطير المعرفي والإجتماعي والنصح والتوجيه لا كأستاذ أو كمربي بل كصديق ملؤه التواطؤ و دأبه أن يقتسم و إياهم قلقهم الفتي الفوار بالتمرد الذي غالبا ما يتعذر عليهم اقتسامه داخل أسرهم فتكون الأزقة والشوارع ملاذاتهم الأثيرة. نظراتك في مواساة المعزين فيك خلتها تنساب من صورك المعلقة على الجدران حكاية حزن عريق ترعرع فيك ومعك بستانا أزهر ولعا نادرا بالمسرح و بالموسيقى. نعم، الموسيقى تلك الحكاية العاشقة التي مبتداها طرب أندلسي أبهرني ولعُك الولوع بنوباته وأوزانه و أشعاره مذ أن تعرفت عليك في أوائل الثمانينيات، و منتهاها الغرناطي والطرب العربي الأصيل الذي لازالت نغماته محفوظة على أوتار عودك المسجى على سرير اليتم بعد رحيلك المفاجئ. غادرتنا في غفلة من أقرب أقربائك: نجلك زكرياء و أختك. كم هو صعب نعيك أيها الصنو النادر، نعيك مؤلم فتاك، نعيك نصال تعتمل في القلب والروح جراحا كيف بالله عليك أن تلتئم؟ ودعتك طنجة أمس بمثقفيها ومناضليها، من صديقاتك وأصدقائك القدماء الذين و اللائي ورثتهم عن زمن العناد السياسي و التمرد الثقافي. كلهم حضروا ليشاطروك رحلتك الأخيرة إلى مثواك الطفولي حيث ينتظرك أقرب كائن إلى القلب والروح ،أمك، التي عشت بعد رحيلها و كأنك شجرة فقدت جذورها، لم نمتلك، نحن المنشغلين بحيواتنا، الحكمة اللازمة لننتبه إلى الذبول الذي نخر دواخل بعد رحيلها إلا حين تدفقت ذاكرتك حمما معلنة أساك الصموت. جنازتك أمس عشناها توديعة عريس يزف طفلا إلى حضن أمه صافيا نقيا في موكب جلله جيل شاب استرشد بمنارتك منذ ريعان إبحاره وقد أضحى اليوم يطرز مستقبلنا المسرحي بحضور إبداعي بهي وروح تحمل من التجديد والتحديث ما يروي الأمل في أبي الفنون الذي أفناك عشقا و أصلاك سقما. ارقد أخي جمال هنيئ المقام في حضن الأم الرؤوم، قرير العين تنام على بيت من الطرب الأندلسي الذي علمتَنا عشقه: و أودعتم يوم ودعتم بأحشائي نارا و أضرمتم