يكاد يمر يوم من أيام شهر ربيع الاول بمدينة طنجة، دون أن يسمع السائر في دروبها وحواريها مديحا أو إبتهالا يصدح من مسجد ما أو زاوية صوفية، حيث أن الإحتفال بحلول ذكرى المولد النبوي الشريف، يعتبر من بين الطقوس التي دأب سكان المدينة على إحياءها بطرق متفردة، سيرا على عادات السلف. فطنجة تعتبر في طليعة مدن المملكة المغربية، التي تطلق إحتفالاتها في وقت مبكر، وذلك لإتاحة الفرصة أمام جميع الطرق الصوفية من أجل إحياء هذه الذكرى بطريقتها الخاصة، رغم رواج بعض التوجهات التي تفيد بكون الأمر بدعة، وأنه لا يستند على أي أساس ديني وشرعي سليم. وحول مشروعية الاحتفال بعيد المولد النبوي، أكد عبد الله عبد المومن، أستاذ الفقه وأصوله بجامعة إبن زهر، أن تشريع الاحتفال بالمولد النبوي أمر مستحسن عند علماء السلف والخلف، وتخريج جوازه على أصلين، الأول خصوصية يوم مولده صلى الله عليه وسلم واستحقاقه من قِبلِ الشرع التعظيم والتكريم، بتشريع عبادة وقُربَة الصيام يوم الاثنين لا يغفل عنها المُداوم والملتزم بسنته عليه الصلاة والسلام لقوله لما سئل عن صيامه، "ذاك يوم ولدت فيه". وأضاف الدكتور عبد المومن، في حديث لجريدة طنجة 24 الإلكترونية، أن تشريف هذا اليوم متضمن لتشريف هذا الشهر الذي ولد فيه، فينبغي أن نحترمه حق الاحترام ونفضله بما فضل الله به الأشهر الفاضلة. أما الأصل الثاني، فقد أوضح الأستاذ عبد المومن، أنه أصل المحبة، ولو لم يكن إلا هذا الأصل لكفى في ابتداع الابتهاج والاحتفال بكل ما يدل على تحقيق هذا المقصد، والاحتفال وسيلة إليه، وللوسائل حكم المقاصد، والوسائل إلى أشرف المقاصد أشرف الوسائل، ويغتفر فيها ما لا يغتفر في المقاصد، وهذا جوهر الفقه في البحث عن حكم الجواز والمنع في مثل هذه التصرفات. وحول تباين الأراء في هذا الموضوع، قال المتحدث، أن الخلاف حوله ناشيء عن تقهقر الفقه وجمود الفهم، فلم تتسع هوته إلا في الأزمنة المتأخرة، ولن تجد كبير اختلاف في كتب الفقه عند المتقدمين حول المسألة بل صرح غير واحد بجوازه وحُسن ابتداعه من أكابر الحفاظ كابن حجر وابن الجوزي والسيوطي وابن ناصر الدمشقي وأبي شامة شيخ النووي وغيرهم من كبار علماء الإسلام. وأضاف الأستاذ في ذات السياق، أنه سيأتي على الناس زمان بعدنا سيُنعت فيه المتعنتون من هذا العصر بالجمود والتعصب لأنهم اختلفوا في مثل هذه القضايا التي لا تتسع للخلاف أصلا، ثم إنه لينتقد على كل مبالغ في المنع أنه إن قال ببدعة الاحتفال بالمولد النبوي، فقد هوى في بدعة أكبر وهي بدعة التقليد بغير علم ومخالفة علماء بلده فلم يحفظ عن علمائنا المغاربة مثل هذا القول قديما ولا حديثا. وعن طريقة الإحتفال، أشار أستاذ الفقه وأصوله، أنه يستحسن في تعظيم هذه الأيام الاحتفال بالإطعام والإنفاق وتفريج الكرب على الخلق، وجمع الناس على الشمائل والسيرة وقراءة المواليد، وكل ذلك يرغب في حب النبي صلى الله عليه وسلم والتعلق بسيرته، قلبا ووجدانا، ولا يلج الخلاف ما محله الوجدان، وصدق السريرة، مع ثبات الإيمان، كما هو مستقرأ في أصول الشريعة وفروعها. وخلاف هذا من الاحتفال المشروع، يضيف الدكتور عبد المومن، لا يجوز ويزجر عنه إن كان الجمع على المفاسد والاختلاط وفعل المنكرات.