تجنب ما مرة الحديث عن مهرجان الطنز والعنطزة المسمى ب"طنجاز"، لأنني كنت أعتقد أنالحديث بلغة الرفض لهذا التجمع الشاذ، الذي يكرس لمفهوم ثقافة الإيكسترا في مدينة كونية لا تعترف بالانتماء لثقافة محددة، ربما سيكون خارج سياق الكلام المباح، في زمن كثر فيه النباح. فطنجة ظلت على عهدها فاتحة ذراعيها لكل الظواهر الفنية والأدبية، وكل العقول المتمردة، التي أعلنت من بين زقاقها التاريخية، ومبانيها الأسطورية، وشرفتها الساحرة المطلة على البحر شمالا والمحيط شرقا، ميلاد حركاتها الجديدة، التي غيرت شكل العالم، ومعه نظرة الإنسان للفكر والفن والإبداع، وذلك بظهور إصدارات أدبية، ودواوين شعرية، ولوحات تشكيلية، وأنماط موسيقية جديدة... وبرزت بقوة أسماء مبدعين وُصفوا بالثائرين والجريئين من جهة، و نُعتوا بالمثليين والشواذ من جهة أخرى. غير أنالحقيقة التي لا ينبغي نكرانها، أن هؤلاء أثّروا في المدينة وتعدُّد ثقافاتها، ودونوا لها تاريخا يغري بالنبش والتنقيب في تفاصيله المثيرة. فالمدينة التي تعايشت فيها حركات "البيت جينيرَيْشْنْ" و"الهيبي" و"البونك" في وسط واحد جمعها بأعلام من طينة أخرى، لها وزنها محليا ووطنيا وإقليميا وحتى دوليا، من فقهاء ومفكرين، كالعلامة سيدي "عبد الله كنون" والعلامة " الزمزمي" و "ابناء الصديق" وغيرهم كثيرون، لا يمكن إلا أن تكون ملتقى للثقافات، ومعبرا للحضارات، وحضنا دافئل لكل فن جميل، ومكانا آمنا للتعايش بين مختلف الأجناس الأديان. وقد ندّعي كوننا متتبعي الشأن العام المحلي، أننا نعلم الكثير عن كواليس هذا المهرجان وأصحابه، وكيف يتعاملون مع أبناء المدينة والبلد بمنطق التجاهل والاستحمار، إن لم نقل النصب والاسغلال. وكيف يستفيذون من أموال دافعي الضرائب بتواطؤ مع مسؤولين ومنتخبين، سخروا لهم وبسخاء كل ظروف الراحة والاستمتاع، التي حُرّمت على جمعيات محلية عديدة، تكابد الهَمَّ في سبيل تحقيق مشاريع ثقافية بسيطة في حجمها، غنية بمضمونها. كل هذا حبا في سواد عيون أجانب من بقايا الاستعمار، من الذين لا يعرفون عن المدينة سوى منابع الدعم المالي واللوجيستيكي، لإقامة تظاهرة لا تخدم إلى مخطط محو هويتها، الذي يكابد الكثيرون على تحقيقه. إلا أننا حِرنا أمام مقدار الاحترام والتقدير اللذان يحظى بهما هذا الويل وصحبه من لدن جهات عليا في الدولة، حتى وجدنا اليوم أنفسنا أمام تظاهرة يفخر أصحابها باستقدام مجندة صهيونية، تتباهى بقتل أطفال ونساء ورجال فلسطين، تقام تحت الرعاية السامية لملك البلاد، عجبي! ليس الأمر محزنا فحسب ، بل ومخزيا أيضا، فالدولة التي يترأس ملكها لجنة القدس، ولا تتوانى عن إعلان بياناتها الرافضة للمجازر التي ترتكب في حق أبناء الأقصى، ولم يدخر أبناؤها جهدا في الدفاع عن قضية العرب الأولى بكل الأشكال النضالية، صارت تدفع في اتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني، وترحب بمجرمي الحرب تحت يافطة الفن، وأي فن؟، إنه الخذلان بعينه، خذلان شعب أبى إلا أن يكون حرا أبيا. إن انتفاضة أحرار طنجة ضد هذا المهرجان الفضيحة، ونزولهم إلى الشارع، ووقفاتهم أمام أماكن إقامة ليالي طنجاز الصاخبة، وسهراته الماجنة، بقدر ما تؤكد أن أرواح شهداء فلسطين حية في قلوب كل المغاربه، ودماؤهم غالية عليهم، وأن القضية قضية شرف بلد وشعب أولا وقبل كل شيء. بقدر ما تُظهر وبالملموس، أن الشعب المغربي في وادي، و الدولة في وادي آخر. فلا حكومة تمثله، ولا أحزاب، ولا برلمان ولا منتخبون، هي أدوار تؤثث مشهدا مسرحيا مثيرا، أخرجه أسياد العالم، صناع نظامه الجديد، مبدعو شعار "معنا أو مع الإرهاب". نعم إنهم لا يمثلوننا، إنهم يمثلون علينا. إنهم لا يحكمون..، إنهم ينافقون...