بتطور المجتمع، يتطور الفعل الإنساني في صورته الإيجابية والسلبية على حد سواء. ولقد استجدت أفعال وظواهر من الخطورة على المجتمع وتماسكه والمساس بالحقوق الطبيعية في الحياة والسلامة الجسدية للأفراد ولممتلكاتهم. وتحضرني، بالمناسبة، الأقراص المهلوسة التي تشكل في اعتقادنا حربا أشد ضراوة وخطورة من الحرب العسكرية؛ وذلك لما لها من آثار جسيمة تنخر المجتمع في عموده الفقري، ويصبح المجتمع في جزء كبير منه من ذوي الاحتياجات الخاصة. إن خطورة ترويج الأقراص المهلوسة وهامش الربح الذي توفره للمتاجر أو الوسيط مع استحالة الوقاية القبلية من التداول بشكل قطعي كلها عوامل أسهمت في فتح، عن وعي أم غير وعي، نقاش عمومي ومجتمعي لضرورة التصدي لهذه الظاهرة من خلال الإحساس بخطورتها من جهة وتفعيل الآلة التشريعية من أجل الردع الخاص لهذا النوع من الفعل الجرمي الذي تعددت آثاره وصعب تعدادها، إذ كم آباء ذبحوا وكم أمهات سفحت دماؤهن من الوريد إلى الوريد على أيدي أبنائهم أو أقربائهم أم مجرد وجودهم في ذلك المكان الذي يوجد فيه المدمن. حكم على الجاني بالإعدام أو المؤبد أو بعشرات السنين بحسب الفعل الجنائي المرتكب ولم يعتبره القانون يوما من ذوي الأهلية الجنائية الناقصة؛ لأنه أتى المخدر عن بيئة واختيار.. والحال أن هذا الاختيار في ذاته إكراه من داخل الذات لا يحس به إلا المدمن وتناوله الطب الحديث بهذا الوصف وتدخلت الدول لإيجاد مصحات للتداوي من الإدمان والتأهيل في المجتمع بدل المقاربة العقابية، إلى درجة أن أصبح السجناء على مستوى سجن البيضاء يحتوي أكثر من ستمائة مختل عقليا؛ مما تقترب هذه المؤسسة من وصفها من المؤسسة السجنية التي في وضعية صعبة لأنها غير مؤهلة أن تكون مؤسسة للأمراض العقلية، والحال أن إعادة إدماج المدمن أكثر تكلفة مما يتصور المرء. ألا يستحق من يروج الأقراص المهلوسة ويسهل وصولها إلى المدمن أن يحظى بمعاملة تشريعية خاصة بوصفه الفاعل المباشر حكما في الآثار على الأنفس والأموال، وبالتالي يجب أن يردع ردعا خاصا إلى درجة أن مجرد اهتمام المؤسسة التشريعية بالموضوع ومناقشته في إطار مراجعة العقوبة المقررة لهذه الجريمة بعيدا عن تلك المقررة في ظهير 1974 في ذاته ردعا. صحيح أن المقاربة الزجرية في وحدها لا تكفي؛ لكنها في حد ذاتها مكون أساسي للحد من الجريمة والردع منهاً، إلا أن المؤسسة التشريعية لدينا بعيدة كل البعد عن استحضار الفعل المجتمعي والنقاش العمومي بخصوص انشغالاته أو على الأقل مواكبته تشريعا من خلال مناقشة الحلول التشريعية الجديدة وتجاوز ما لم يعد مواكبا للمستجدات عملا في التطوير والجدة. لكن الخلل يكمن في القطاعية والمؤسساتية التي تحكم التشريع، إذ كل مؤسسة مشرفة على قطاع معين يعتبر نفسه الوصي على ذلك القطاع وله حق الاحتكار بشأنه ولا يحق لأي كان خارج القطاع أن يشكل قوة اقتراحية للتعديل أو المناقشة... لذلك، ظلت الاطروحات الجامعية والعلمية والندوات والتوصيات بشأنها لا ترى طريقها إلى الفعل التشريعي أو على الأقل إلى المناقشة؛ وهو ما شكل شرخا بين ما هو علمي أكاديمي وبين ما هو قطاعي.. وهذا من معضلات المؤسسات الحكومية لدينا، ما جعل المؤسسة التشريعية خارج التغطية في الإبداع والخلق والاقتراح والتتبع، ناهيك عن الحسابات السياسية في بحث من مقدم المقترح هل من الأغلبية أو المعارضة. لقد حان الوقت أن ينفتح الفاعل السياسي على مكونات المجتمع، ويواكب الفعل المجتمعي والنقاشات العمومية واستحضار ما فيه نفع لخير الوطن؛ فما الضير لو عوقب مروج الأقراص المهلوسة بالعقوبة الأشد لو كان الاتجار في المدارس والجامعات، ولو أدى الاتجار إلى استخدام القاصر أو أدى الترويج إلى قتل الأصول والفروع أو الأغيار تحقيقا لأنانية المروج في الاغتناء على حساب المجتمع بفعل تتعدى آثاره مخيلة المرء.