في ظل كثرة النفاق السياسي الذي نعيشه هذه الأيام، المحمومة بجنون التزكيات، و في ظل كل أنواع و أساليب الخدع و الحيل، التي يمارسها فراعننة صناديق الاقتراع الشفاف زجاجها، والتي لا تنجب إلا غيرهم، و في ظل كل الممارسات التي من شأنها أن تكون سببا في هلاك أمة بمن فيها، حتى الصالحون من أهلها، تأبى السماء إلا أن ترحم الأرض بخيراتها المطرية خلال الأيام القليلة الماضية، و تنعم علينا بكمية من المياه، كان احتياجنا إليها شديدا، ليس للشرب و الري فقط، و لكن لأمر عظيم أيضا ، صار من أولويات المرحلة، حيث يبدو أن المكنسة وحدها لم تفلح في تنقية الساحة لا من الأوساخ و لا من المفسدين في الأرض، الراكبين قطار السياسة، ضدا على الرغبة الأكيدة للشعب المغربي في التغيير، و تحقيق مكاسب جديد، في ظل الدستور الجديد، بنخب جديدة و شابة، قادرة على ضخ دماء جديدة في شرايين المؤسسات، التي طغت عليها التجاعيد، و برزت على محياها علامات الشيخوخة، و بات الهذيان يهدد أغلب مسؤوليها، بحيث بدأنا نلمس تخبطات في المواقف و القرارات، و تضارب في التصريحات، التي تكون في أغلبها بعيدة عن الواقع المعاش. و هذا ما تلقفناه من لسان إحدي الوزيرات، حين صرحت أن معدل البطالة في المغرب لا يتعدى 9% ، و ما يلملسه كل من قام و تواضع و أطل على موقع "مكاسب" الذي أنشأه عمي عباس، و الذي يتحدث فيه عن منجزات قيمة، أنجزت لهذا الشعب، الذي يظهر من خلال كل ما ذكر، أنه لا يحمد الله على كل النعم التي أنعمت بها عليه الحكومة الحالية، حيث يظهر أن المواطن هو لا يريد العلاج بالمصحات العمومية، التي سخرت له فيها للا ياسمينة كل الوسائل الضرورية و الثانوية للتطبيب، حتى صار الأطباء يتسابقون على المرضى، بل يعرضون خدماتهم المجانية في الشوارع و الأسواق، و المواطن هو الذي لا يريد أن يتعلم في المدارس العمومية، التي وفرت فيها الحكومة كل وسائل الراحة، حتى يتسنى للتلاميذ استيعاب دروسهم في جو صحي، داخل أقسام لا يتعدى مجموع ت لا ميذها العشرين، و أساتذة يعيشون وضعية مريحة، يِؤدون واجبهم على أتم وجه، بدون احتجاجات، و لا إضرابات. و المواطن هو الذي لا يريد أن يتغذى جيدا، فثمن السردين لا يتعدى ثلاثة دراهم، و اللحم في متناول الجميع، و الطماطم و البطاطس أيضا، ناهيك عن الأثمنة الجد مغرية للزيت و السكر و الدقيق. و المواطن هو الذي لا يريد أن يركب الحافلات المكيفة، و المجهزة بكرسي لكل راكب، و المحمية من السرقة و التحرش. و المواطن هو الذي لا يريد العيش في أمان، و يخلق الفتن، و يرفض حماية رجال الأمن، فقد تم وضع شرطي لكل أربعة آلاف مواطن- عفوا- لكل أربعة مواطنين. والمواطن يترك الشوارع المعبدة و النقية، و يفضل السير في الأو حال، و الحفر، و البرك المائية. و المواطن يفضل السباحة في المياه العادمة دون الشواطئ النظيفة المهيأة له، المهم أن هذا المواطن و كما يقول إخواننا في مصر" لا يعجبه العجب، و لا الصيام في رجب" في منظور حكومه آل الفاسى و من معهم. منذ بضعة شهور، حُمِل من يُسَمَّوْن برموز الفساد على رؤوس المكنسات، و طُلِب منهم الرحيل، ليس إلى المقابر، لكن فقط إلى الأرشيف الأسود لتاريخ السياسيين المغاربة، الذين لم يفعلوا لهذا البلد ما يستحق ذكرهم به، إلا ما بَنَوْه لأنفسهم و ذَويهم من جاه و نفوذ، لكن يبدو أن آذانهم لم تكن في أتم عافيتها، حتى تتلقى الرسالة و تستوعبها، و يبدو أن هذا المواطن العنيد، عنيدٌ حقاً، و لا يمل من تكرار مَطَالبه، و لا يتوانى في إعادة الكرة كلما أتيحت له الفرصة لذلك، و هذه المرة كان الماء إلى جانب "الشطابة" في محاولة غسل الساحة من الفساد الذي علق بها، و لم يقبل التنحي، رغم الكنس، و ربما إذا استمرت نفس الوجوه في تعنتها، فسوف ينضاف "الصابون" إلى القائمة، و بعده "جافيل"، لأن الشارع مصمم على الكنس، والغسل، و التغيير، و إزاحة كل من لم يسمع، و لم يفهم صوت الشعب، الذي خرج يوم الخميس الماضي رافع شعار" بْالْمَاء و الشّْطَّابَة، يَلاَّ نَقَّيوْ بْلاَدْنَا دَابَا".