كأم للعلوم بلا منازع، حافظت الفلسفة منذ فجرها اللامع في اليونان القديمة، على مقامها كمدرسة كبرى لتغذية الأرواح وتهذيبها، عبر المساءلة، والمحاججة، والإقناع، والجدلية. بالرغم من جذورها الضاربة، فإن جذوتها لم تخب، وشعلتها لم تنطفئ. والإقبال على على هذا الفرع من العلوم الاجتماعية، الذي يعلي شأن البرهنة والتعليل، وقواعد المنطق والعقلانية، ما فتئ يتنامى. وها هي تعود إلى الواجهة في خضم النقاش حول مضمون أحد المقررات الدراسية للتربية الاسلامية، الذي اعتبر "معاديا" لعلم يطارد الأشياء في حقائقها. بالنسبة للكاتب وأستاذ الفلسفة، ادريس جعيدان، فإن الفلسفة تتفرد باعتمادها على طرح أسئلة أطفال، والإجابة عنها بمنطق الكبار. "أن تتفلسف، يعني أن تطرح أسئلة أطفال وتحاول الإجابة عنها بكلمات الراشدين، أي بمفاهيم فلسفية"، على حد تعبير جعيدان في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء. واعتبر أن الأمر يتعلق إذن بسؤال وتمرين مضن يقتضيان قدرة كبيرة على التفاعل مع الأشياء والظواهر، وعملا دؤوبا على مستوى الاستخدام الدقيق للمنهج الفلسفي. باختصار، إنها مسألة معرفة طرح الإشكال، وتفكيكه الى مفاهيم والنهل من مرجعية فلسفية ، أو ثقافة، والتفكير من داخلها، باستحضار فلاسفة سابقين". أما بخصوص الأفكار المناهضة للفلسفة، ذكر جعيدان بأن مفهوم "الفكرة" نفسه من ابتكار أفلاطون ولذلك حينما نحمل فكرة، ولو كانت عديمة الصلة بهذا الفيلسوف اليوناني العظيم، فإننا في الحقيقة نحمل دينا تجاهه". وفضلا عن النصوص ذات الصيت العالمي التي تنبثق من التراث الاغريقي أو الغربي، فإن أمام الشباب المغاربة المحبين للفلسفة، يقول ادريس جعيدان، أن ينهلوا من إرث المفكرين العرب والمسلمين الذين جمعوا بين الفقه والتفكير الفلسفي من قبيل الكندي والفارابي وابن سينا وابن عربي وابن رشد. وجدير بالذكر أن الكاتب ادريس كسيكس أصدر حديثا رواية بعنوان "في مضيق ابن رشد" عن منشورات "الفينك"، تحتفي بتراث الراحل الأندلسي الكبير، والذي كان مدافعا صلبا عن البرهان وقيم العقلانية. وقال كسيكس في تصريح للوكالة، إن الرواية التي تستعيد مسار المفكر الراحل، تعد مرافعة من أجل قبول امكانية التفكير بطريقة أخرى، معتبرا أن "تراثنا ذو غنى متفرد" في هذا المجال وأعمال ابن رشد والنفزاوي وأبي نواس ذات دلالة واضحة في هذا الباب. وخلص كسيكس الى أن الفلسفة تتيح التوفر على بدائل وإمكانيات للوصول الى الحقيقة، "تجعلنا مواطنين مستقلين ذاتيا". من هذا المنطلق يتجسد واجب إرساء مؤسسات أكاديمية تحمل على عاتقها مهمة النهوض بهذا العلم. * و م ع