إثارة هذا الجانب من أحداث بني مكادة في 14 دجنبر 1990، جاء بعد تفاعل بعض الأصدقاء بعد نشر الجزء الأول منها كما ذكرت سالفا، فرضوان ولاد أحمد كتب معلقا " جدتي ماتت في ذلك اليوم امام "القهوة دالشجرة" بتدخل همجي من قوات الامن، وكان عبد الكريم المقدم قد كتب عن الموضوع وقتها في جريدة الخضراء". أحمد سعيد القادري كتب" ....، صديق لي كان يدرس وقتها معي بكلية الآداب شعبة الإنجليزية، ألقي عليه القبض وهو في طريقه إلى حومة الموظفين، سجن بساتفيلاج 10 ايام، قرر بعدها متدمرا الهجرة إلى أوروبا. صديق آخر تمكن من الهرب، لكن بعد أن اشبعوه ضربا، هو الآخر هاجر مباشرة بعد الحادثة ". الإدريسي الإدريسي تحدث عن ذلك اليوم قائلا "...، أتذكر ذلك اليوم جيدا رغم صغر سني حينها 14 سنة كنت تليمذا في مستوى الثانية اعدادي، باعدادية محمد بن عبد الكريم الخطابي جوار المحجز البلدي، غالبية اساتذة مدرستي استجابوا لنداء الاضراب العام، والقليل منهم قاطعوه. بعد انتهاء الفترة الصباحية عدنا الى منازلنا...بعد أن أدينا صلاة الجمعة بمسجد علي باي، وأثناء عودتي الى الدار، مررت ب " الرويضة " وظهرت لي ساحة تافيلالت وكأنها " لبنان"، أدخنة متصاعدة، وسيارة مقلوبة تحترق عند باب مستشفى الامراض العقيلة، وجمع غفير من رجال القمع في وسط الشارع... عند الرابعة مساءً خرجنا من حصة اللغة العربية مع أستاذ من القاطعين للإضراب، ومباشرة صعدت الى مدخل حي الموظفين من جهة الرويضة ، كانت المواجهات قد وصلت الى باب " القشلة"، التي ظهرت من مكان تواجدي منطقة عسكرية خالصة، وما أثار انتباهي هو استعانة الامن بسيارات وكالة الماء والكهرباء الزرقاء اللون ، فجأة شن الأمن هجوما على الجموع الواقفة عند مدخل الحي، تفرقت الجماهير خوفا وانا معهم، ولولا لطف الله، لسقطت في يد وحوش لا ترحم، وقد أرهقها التعب والجوع ...وصلت سيارات الامن الى مطبعة سبارطيل ، واختفينا نحن بين الدروب .....هنا انتهت قصتي مع اليوم المشهود". .وكان الصديق والفاعل الجمعوي حسن الحداد ابن حي مبروكة، قد أثار قضية استشهاد أحد أبناء المنطقة برصاص قوات الأمن، التي أسندت لها مهمة اخماد الانتفاضة. فقد كتب حسن معلقا " الرحمة والمغفرة لابن حومتي السفياني، سقط بالرصاص الحي على بعد أمتار من سينما طارق، في اتجاه علال الفاسي ......". هذه التدوينة أشعلت التعاليق، ودفعت بمحمد السفياني من بروكسيل إلى التفاعل، وسرد ما تضمنه الجزء الرابع من وقائع. ومن غريب الصدف، فمحمد هذا هو ابن عم الشهيد، وقد حدثنا عن ذلك اليوم المشؤوم، وكيف قضاه بعدما وصله خبر مقتل ابن عمه، وتداعيات ذلك الحادث الأليم على الأسرة والحي. يتابع محمد السفياني شهادته عن أحداث 14 دجنبر في بني مكادة ويقول: " كل هذه الأحداث كانت تدور وانا لازلت بصدد عبور مدار السواني - ساحة المغرب - ورجلاي متثاقلتان، وكأنني أنتظر خبرا ما. فجأة تجلى والدي من حيث لم أتوقع، فقد كان المفروض أنه يمارس عمله بمصلحة الشرطة القضائية ب " الكوميسارية الكبيرة او سنطرال". كانت تقاسيم وجهه توحي بشيء ما غير عادي. ارتعدت فرائصي، اعتقدت جازما أنه سيوبخني، فهو الذي يوصيني دائما بالابتعاد عن أماكن الاشتباه، معللا ذلك أنه في حالة الطوارئ يصعب التفريق بين البريىء والمذنب. وهكذا وبدون مقدمات على غير عادته، وقبل حتى أن اتفوه للاستفسار عن تواجده خارج مكان عمله، أمرني بالإسراع في الذهاب إلى البيت، وعدم العودة إلى المدرسة. ثم فجأة وجدته يصر على مرافقتي حتى باب المنزل، بخطوات عسكرية سريعة، جعلتني الهث وأنا أسايرها. كنت أراه يهم بقول شيء، ثم يتراجع، ثم يهم مرة أخرى، وكأن الكلام هرب منه، وفجأة توجه إلي سائلا، وأنا أعد نفسي لسماع شيء ما، "محمد، هل تعلم ما الذي حدث قبل قليل؟"، كان سؤاله عبارة عن إشعاري بأن خبرا صادما سوف يُلقى على مسامعي. أجبته بالنفي طبعا، وبايماءة خفيفة من رأسي، فقد كنت في المدرسة، ولا علم لي بما جرى، وما حدث. أجبته وكلي اقتناع أنني سأُصدم بخبر غير متوقع. كل الأفكار تزاحمت في ذهني، إلا الخبر الذي كان يخبئه لنا القدر. لم أترقب طويلا، فقد تماسك أبي و تابع تلاوة بيانه " عبد السلام ابن عمك مات!!. يا الله. كيف حدث هذا؟، ولماذا اليوم ؟ أحسست بركبتاي لا تقويان على حملي. لم أستوعب الخبر. الدموع بدأت تنهمر من عيناي المتعبتين. " نعم لقد أطلق رجال الدرك النار عليه قبل بضع دقائق أمام سينما طارق، وفارق الحياة على الفور"، هكذا ختم أبي حديثه معي، لأنطلق في نُواحي، وحصرتي على ابن عمي، وصرت أردد ياللمصيبة، يا للهول، الله أكبر.... لقد مات عبد السلام، ذلك الشاب القوي الشجاع، كدت أفقد عقلي. كان منزل عمي ملتصقا بمنزلنا، هذا ما جعل الحي كله يعيش أجواء الحزن والألم، ومع التوتر الذي كان يسود المنطقة، أحسسنا وكأن البلاد في حالة حرب حقيقية، فالدخان يتصاعد من أماكن متفرقة من بني مكادة، وأصوات طلقات الرصاص تُسمع هنا وهناك ...وكأننا في حلم سرمدي، وصورة ابن عمي لم تفارق مخيلتي، كيف يقتلونه وهو ابن رجل أمن؟ فعمي كان شرطيا أيضا، سؤال لم أكن في حاجة إلى أحد ليجيبني عنه، فقد وجدت في كلام أبي كل الإجابات، " في هكذا أحداث، يصعب التفريق بين المتظاهرين و الناس العاديين، لهذا، فمن الأفضل لزوم البيت حتى ينجلي الغمام، وتنتهي الأزمة بسلام". عند اقترابي وأبي من منزلنا، تتراءت لنا جموع من المعزين، وقد انتشر خبر استشهاد ابن السفياني رجل الأمن برصاص رجال الدرك، فاختلط الأمر على الناس، ظنا منهم أنني أنا القتيل وليس عبد السلام، وصار المعزون يتوافدون على منزلنا، الجيران، والأصدقاء، وزملاء والدي في العمل...، فكان كل من رآني حيا أرزق إلا وأصيب بالدهشة والاستغراب، قبل أن يوضحوا له الأمر، ويفهموه أن من قُتل سفياني آخر، وابن رجل أمن أيضا. وفي المساء قام "شايب الرأس " بزيارة لمنزلنا بعد أن كان مختفيا طوال اليوم، وقد رأيت بأم عيني ضربة السكين التي وجهت له على مستوى خصره، وتأكدت مما قيل عن بداية الأحداث ". انتهت شهادة محمد السفياني عن أحداث بني مكادة، وانتهت بها أوراق من 14 دجنبر، فتحناها امام جيل لم يعايشها، ولا يقدر المنطقة حق قدرها، وحتى لا ننسى...، انتهى