وأنا أسرد لكم تفاصيل أحداث 14 دجنبر كما عايشتها، وجدت تفاعلا من بعض أبناء بني مكادة، من الذين عايشوا الأحداث مثلي، أو كانت لهم بها علاقة من قريب أو بعيد. ومن بين التفاعلات التي أغنت هذه الأوراق، وجعلتني لا أتوقف عند الجزء الثالث، الذي كان يحمل نهاية يوم لم يكن عاديا أبدا. ما رواه لي صديق جمعني به العالم الافتراضي، وهو من أبناء المنطقة، والذي وجدت في تفاعله ما لا يمكن تجاهله في هذا الملف، خصوصا وأن الأمر يتعلق بشاهد على حقيقة استشهاد واحد من أبناء حي مبروكة، والمسمى " السفياني" والذي اغتالته رصاصة اقتنصته في عز شبابه. في تفاصيل رواية صديقي "محمد السفياني"، التي ندرجها ضمن الورقة الرابعة من أوراق 14 دجنبر قائلا: " وأنا عائد أدراجي من إعدادية ولي العهد آنذاك، تراءت امام عيناي جحافل من عربات قوات التدخل السريع، متوجهة نحو عَقْبة بني مكادة، في تحرك يوحي بشيء ما غير عادي. انتابني فجأة إحساس غريب، أََوحى إليّ أننا فيما يشبه حالة حرب. كان الحسن الثاني قد توعد يومها بمحاكمة مثيري الشغب محاكمة عسكرية، في محاولة للتخفيف من حدة التوتر بين المنتفضين والقوات العمومية. رأيت ضباطا أمنيين تابعين لمختلف الأجهزة، كنت أعرف بعضهم شخصيا، بحكم عملهم مع والدي، متوجهين نحو بني مكادة. "السلاوي" و"الكداني"، يقودان شاحنتين، إحداهما تابعة للأمن العمومي، والأخرى للتدخل السريع " السيمي "، تتبعهما حافلة تقل على متنها فرقة " اللواء الخفيف للأمن " التابعة للقوات المسلحة الملكية، جيءٓ بها من مدينة الداخلة، لتتمركز حول مخارج ومداخل منطقة التوتر، معززة بعناصر من القوات المساعدة. كان الداخل إلى بني مكادة مفقودا، والخارج منها مولودا. فما كدت أعبر مدار السواني "ساحة المغرب" أمام مطاحن طنجة، حتى وصلني خبر مفاده أن" السيد بلكوح " الملقب ب " شايب الرأس "، - ضابط أمن تمت ترقية قبيل الأحداث من رتبة مقدم رئيس Brigadier chef -، قد دخل في مناوشات مع تلاميذ ثانوية علال الفاسي ب " العزيفات" غير بعيد عن سينما طارق، وأن الأمور تطورت إلى اشتباكات بالأيادي، تم على إثرها إصابته - شايب الرأس - بواسطة سكين صغير على مستوى الخصر، وكذا تمزيق زيه الرسمي الجديد، الذي كان قد ارتداه قبل الانتفاضة بأيام قلائل. الخبر لم يكن عاديا لا بالنسبة لي، ولا لأي من أبناء بني مكادة، من الذين كانوا يعرفون شايب الرأس جيدا. فهو الرجل الذي كان يكفي ذكر إسمه حتى يثار حنق البعض ضده، وخاصة أصحاب النقل السري والمزدوج، لما كانوا يعانونه منه أثناء توقيفه لهم في بعض المسالك السرية والملتوية، تتبعها غالبا عملية الشد والجذب، وأحيانا مطاردات ساخنة، لا تنتهي إلا باعتقال السائقين، وحجز سياراتهم. ناهيك عن الغرامات و(..). تطورت الأحداث سريعا، وبدأت الإشاعات تُروج، والروايات تختلف من شخص لآخر، تفيد إحداها أن الشرارة الأولى للأحداث كان سببها الضابط " شايب الرأس "، حين قام بالاعتداء على تلاميذ مؤسسة علال الفاسي، وقد اندست بينهم عناصر من الطلبة الجامعيين من مختلف التوجهات القاعدية والإسلامية، في محاولة توجيه أية انتفاضة إلى مسارها المنشودة. ومباشرة بعد نشوب الاشتباك، وإشهار الضابط لسلاحه الوظيفي، حتى يتمكن من الفرار بجلده، اختفى عن الأنظار تحت حماية أمنية شديدة. لتنطلق بعدها مسيرة احتجاجية، اختلط فيها الحابل بالنابل، التلاميذ، والطلبة، والعاطلين عن العمل، والمتسكعين... ، فاتجهوا صوب ساحة تافيلالت، حيث كانت ترابط مختلف الوحدات الأمنية، وحدثت اشتباكات متبادلة، قام على إثرها شباب بتحطيم أحد أعمدة الكهرباء الخشبية، ليتم استخدامها في تحطيم بوابة وكالة بنكية، ومن تم اقتحامها. كما تم إشعال النيران في مقر القباضة البلدية التابع للخزينة العامة للمملكة. كانت الأمور تقترب رويدا رويدا من الإفلات من عقالها، حيث تداولت فكرة بين الشباب لاقتحام ثكنة الجيش، أو الفرقة التاسعة للقوات المسلحة الملكية، المتواجدة على رأس تلة بني مكادة " الرويضة "، أمام مدخل حي مبروكة ، حيث كانت المسافة الفاصلة بين المنتفضين والثكنة " القشلة " لا تتعدى بضعة أمتار، وكانت تراود بعض الشباب فكرة الاستيلاء على بعض الأسلحة، والذخيرة المتواجدة بمستودعات " القشلة" ومع تفاقم الأمور - يضيف محمد السفياني-، وقرب خروجها عن السيطرة ، تم ربط اتصالات على أعلى مستوى، مباشرة من عمالة طنجة آنذاك، و مفوضية الشرطة " الكوميسارية سنطرال"، لتعطى بعدها أوامر صريحة وصارمة بإطلاق النار على كل من يتجرأ على القوات العمومية، ويُحدث شغبا وتخريبا في مؤسسات الدولة، و خاصة بعد إصابة العشرات من رجال الأمن. يتبع