اعتبر المخرج هشام الجباري أن فيلمه الجديد "دموع إبليس" دعوة لتصالح المغاربة مع الماضي، والانطلاق نحو بناء المستقبل، عن طريق ترسيخ قيم الحرية والعدل والإنصاف. وقال الجباري، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء مساء أمس الخميس بمناسبة تقديم العرض ما قبل الأول لشريطه الجديد بالمركب السينمائي "ميغاراما"، إن هذا العمل، الذي يعتبر أول تجربة سينمائية في مساره الفني بعد تجارب عديدة في التلفزيون والمسرح، يعالج بالأساس تيمات التصالح والتسامح والاعتذار ونبذ الرغبة في الانتقام، وترك الأجيال الصاعدة تنعم بمناخ الحريات الذي باتت تعيشه البلاد، بفضل مسار المصالحة الذي انخرطت فيه منذ سنوات لطي صفحة الماضي بكل آلامها. وأضاف أنه من خلال حكاية المعلم "الحسن الشاهد"، الذي جرى اعتقاله من القسم وأمام تلامذته، وأمام ناظري زوجته الحبلى، ليقتاد إلى المعتقل، ولينقل من القنيطرة إلى أكدز، حاول أن يقرب المتلقى من حقبة مهمة من تاريخ المغرب، عبر عملية استرجاع يقوم بها البطل لمشاهد امتدت على مدى 18 سنة من الاعتقال، تركت ندوبا في شخصية "حسن" جعلته ينطلق في رحلة للبحث عن جلاده ليذيقه العذاب نفسه وبالمكان نفسه. وعبر حبكة سينمائية اعتمدت على التشويق والحركة، ينطلق حسن في رحلته من مدينة الدارالبيضاء، حيث كانت أولى مشاهد الفيلم، وحديث عبر المذياع عن هيئة الإنصاف والمصالحة وجبر الضرر، غير أن البطل ترك كل ذلك الحكي وراء ظهره، ليتجه نحو بيت جلاده، الذي بدوره أقيل من عمله ليقرر أخذ عائلته في رحلة عبر الصحراء، رحلة استجمام تتحول إلى رعب حقيقي يتأرجح بين الانتقام والتسامح والإصرار على اعتذار الجلاد من ضحيته أمام أبنائه. وينسل حسن إلى الشاحنة التي تقل العائلة، مثقلا بسنوات العذاب التي قضاها في المعتقل، غير عابئ بمحيطه، إذ الأهم بالنسبة إليه أن يعتذر "إبليس"، وهو اللقب الذي كان حسن ورفاقه يطلقونه على جلادهم "جلال المدني"، الذي كان أوهم أسرته لسنوات أنه يعمل بالجيش، فكان حسن النافذة التي اكتشفت من خلالها الأسرة الصغيرة "لجلال" تاريخ الأب، ومن خلاله حقبة بصمت تاريخ المغرب الحديث. وبتوالي الأحداث، تظهر شخصيات أخرى، يجمع بينها قاسم مشترك، هو التعرض للظلم، فزوجة جلال تعرضت لظلم الأب القاسي، الذي ما إن تجاوزت ابنته الثانية عشرة حتى أصبح ينظر إليها بشكل مختلف، هي أيضا أصبحت تكره رائحة الأب كما يكره حسن رائحة جلاده، وأيضا الطبيب بمستوصف زاكورة الذي قضى 14 سنة معتقلا عند البوليساريو ، وما تزال آثار التعذيب بادية عليه، وزوجته التي حرمت من حقها في أن تكون زوجة وأما. كل هذه التقاطعات، تطرح بالنسبة للمخرج، تساؤلات حول عما إذا كان من حق هؤلاء أن يبحثوا عن جلاديهم لينتقموا، أم أن المستقبل لا يبنى بالكراهية والحقد والانتقام، وعن الأجيال الصاعدة، وهل ينبغي أن تعيش الألم نفسه، أم ينبغي مساعدتها لتمارس حرياتها كاملة، وبكل مسؤولية. وبغض النظر عن الإكراهات التقنية التي رافقت تصوير الفيلم الذي ينتمي إلى "سينما الطريق"، فقد نجح الجباري، ومن خلال عملية تكثيف للشخصيات، في أن يقدم عملا تخييليا منح للتاريخ جماليته، بعد أن اختار التصوير بعدد من المناطق المغربية الجميلة، حيث إن مشاهده صورت بين مدن الدارالبيضاء وتادلة وإملشيل وزاكورة. وفي فيلمه هذا جمع الجباري بين الإخراج وكتابة السيناريو، وهو ما أتاح له، برأيه، الاشتغال بحرية وراحة أكبر، فضلا على أنه ساعده على اختيار الشخصيات المناسبة لأدوار الفيلم، ليتمكن من ضم نخبة من نجوم الشاشة الفضية المغربية، الذين أضافوا الكثير للفيلم بفضل تجربتهم وحرفيتهم العالية. ويجسد الأدوار الرئيسية في "دموع إبليس" رشيد الوالي وآمال عيوش، الفائزة بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في الفيلم خلال المهرجان الدولي لفيلم الصحراء بزاكورة، وفاطمة الزهراء بناصر، الحاصلة على تنويه خاص عن دورها في الفيلم ذاته بمهرجان زاكورة، ويونس ميكري، وحسن أبو القناطر، وفاطمة الزهراء لحريشي والطفل أيمن الجباري. وعن دوره في الفيلم، قال الممثل رشيد الوالي، في تصريح مماثل، إنه كان من أصعب الأدوار التي قام بأدائها، فهي شخصية جد مركبة، متضاربة المشاعر، تحمل بين ثناياها شحنات قوية من المعاناة والألم والرغبة في الانتقام، ما فرض عليه أن يبذل جهدا كبيرا ليكون دائما حاضرا في بلاطو التصوير. وتابع أن ملامح شخصيته رسمها من خلال قراءاته في تاريخ الحقبة التي يتحدث عنها الفيلم، ومن خلال شهادات أشخاص عاشوا محنة الاعتقال، مشددا على أن رسالة الفيلم موجهة بالأساس للشباب، ليقدروا قيمة الحرية المتاحة لهم اليوم، وأن يستثمروها لما فيه خير البلاد، وليمضي الجميع نحو المستقبل، دون حاجة للالتفات إلى الوراء. وكان فيلم هشام الجباري، الذي سيخرج رسميا إلى القاعات الوطنية ابتداء من يوم 26 أكتوبر ، قد حاز على جائزة "الشاشة الذهبية" للدورة العشرين من مهرجان "الشاشات السوداء"، بالعاصمة الكاميرونية ياوندي، وكذا على تنويه خاص من طرف لجنة الصحافة والنقد بالمهرجان الدولي للسينما عبر الصحراء بزاكورة، وجائزة الجمهور في الدورة الأخيرة لمهرجان سلا لفيلم المرأة، والجائزة الكبرى بمهرجان أفلام الجنوب في بروكسيل ببلجيكا.