وصلت سيارة ألمانية الصنع، وبيضاء اللون، إلى الساحة الكبرى في البلدة، أطلقت العنان لمكبرات الصوت، جمل بالعامية المغرببة تتكرر: "انتبهوا إلى أنفسكم.. الفيروس حقيقي وموجود.. ضعوا الكمامات.. استعملوا المعقمات". يكسر الصوت الجهوري، صمت الساحة، البوق الكبير، الموضوع على سطح السيارة، في أمسية خريفية مغربية، وسط لا اهتمام من الناس العابرين، وجوه غالبيتها بدون كِمامات، وآخرون جلسوا حول طاولات بلاستيكية في مقهى إيفران وآخرون جلس على كراسي خشبية في جارتها مقهى مكناس وقليلون وباقون اختاروا قريبتهما مقهى طنجة. ينزل البرد بهدوء، ليعلن نهاية يوم وبداية ليل، يوميات فيروس كورونا أثقلت الهواء في المكان، ومحاولات السكان تجاهل الجائحة العالمية، والاستمرار في الروتين الحياتي الاعتيادي. لا ينتظر زبون خروج زبون، فيقتحم الصيدلية يسأل عن دواء ألم الرأس، رمقته باندهاش كبير، تركته يشتري ما يريد، مارست تمرين التباعد الاجتماعي، أخذت دوائي وهربت بعيدا، عن التطبيع الحاصل مع الجائحة. تتنفس المدينة هنا جملة واحدة، هذا الوباء غير موجود، ولا يجب أن نموت بالجوع، أما هذا الفيروس فهو مجرد مآمرة عالمية وخبر في التلفزيون فقط، ويريدون إيصال العدوى إلى الناس لتجريب دواء جديد، والذين يظهرونهم في التلفزيون يدفعون لهم المال ليقولوا أنهم أصيبوا؛ جمل سمعتها في أحاديث ثنائية وأخرى جماعية. ففي شارعين اثنين طويلين جدا في المدينة، يصطف الناس متقاربين جدا، رافضين احترام التباعد الاجتماعي، يسعون بحثا عن الدفء عند بعضهم البعض، فلسفة اجتماعية مختلفة تماما تنتشر هنا، بعيدا عن التعليمات الرسمية لوزارة الصحة المغربية، هنا يمارسون مناعة القطيع باجتهاد جماعي. أحترم الاختلاف في كل شيء، إلا في وباء عالمي، يكتسح دول العالم بدون رحمة. ينظرون إلي كقادم من كوكب المريخ، أستعمل المعقم مرارا، وأحترم بصرامة التباعد الاجتماعي، ولا أزيح عن الوضع الجيد للكمامة، كل من قلت له لماذا لا تضع الكمامة! يجيب بوقاحة: "أنت خائف". قررت العودة إلى البيت سريعا، هربا بكل شجاعة من وضع اجتماعي وجدت فيه نفسي مضطرا، وسط زحمة مرور، بينما كانت شاشة تلفزيون تظهر إحصائيات الجائحة على قناة إخبارية دولية، فيما الجالسون يحتسون شايهم ويتبادلون أحاديث الحياة، ولا تحضر فيها الجائحة، لأنها خبر كاذب هنا. وجدت 5 رسائل على تطبيق التواصل الاجتماعي، 3 منها تتحدث عن فقدان أصدقاء لي لأفراد من عائلاتهم بسبب فيروس كورونا. *صحفي بقناة "العربية"