أثناء نومي كنت قد رأيت مناما رأيت فيما يشبه الرؤيا أنني تزوجت إحدى الأوروبيات الحسناوات ومنها أخدت الجنسية ورميت جنسيتي جانبا ربما احتجاجا على شيء ما ‼ واشتغلت هناك ورزقت أطفالا وأمضيت ما تبقى لي هناك في انتظار أن يأتي ذلك اليوم الذي يصبح فيه وطني عزيزا كريما بين الأمم ولكني سرعان ما استيقظت على صوت قرع ناقوس الكنيسة وأنا أحدق في سقف الغرفة فأدركت أن الأمر برمته حلم بخاري تبخر وأنا أفتح كلتا عيناي‼ نحن نحلم فقط هذا كل ما بقي لدينا أحلام لا غير . فتنتني الأندلس كامرأة وعزمت السفر مرة أخرى إلى قرطبة وكان اليوم يوم نهاية الأسبوع وهو يوم عطلة حيث المحطة فارغة ومعها مكاتب التذاكر إلا من رجليّ أمن واقفا يرتشفان فنجان قهوة وكانا مفتولي العضلات فتوقفت بدوري أبحث عن أحد أسأله عن مكان تذكرة فلم أجد إلا الشرطيين فسألت أحدهم : -مرحبا ،سيدي أريد تذكرة لقرطبة ؟ -مرحبا ،سيدي يمكنك أخد التذكرة من آلة التذاكر هناك . وأشار بيده إلى هناك فشكرته لكني عدت مرة أخرى وقلت له ” سيدي لا أعرف استخدام الآلة ؟” ابتسم لي وأخد النقوذ وسحب لي التذكرة وأعاد لي الباقي فشكرته مرة أخرى . قرطبة رائعة ولعل أروع ما فيها مسجدها الكبير الذي تحول لكنيسة لكن عبارات الله اكبر ظلت منقوشة على جدرانه شعرت بالحزن وأنا أتجول بجنباته وأدمعت عيني وأنا غير مصدق أننا كنا هنا في زمن ما وأنشئنا هذه الحضارة الرائعة والمجيدة فكنا أعلى الأمم وأصبحنا الآن من سافلي الأمم ‼. عدت مكسور القلب إلى النزل لكني تذكرت قول الله تعالى “تلك أمم قد خلت ” انتهى الأمر ولا طائل من البكاء وراء الأطلال ” نحن من فرطنا في ذلك واللوم كل اللوم يقع علينا لكن ينبغي أن نحاول الحفاظ على ما بقي لدينا حتى لا يأتي زمن نفقد فيه كل شيء‼ أمضيت ثلاثة أيام في قرطبة وتمنيت من قلبي أن أظل فيها لكن شيئا ما كان يشدني أيضا لطنجة ربما هما توأمان من أم واحدة لكنهما للأسف لا يتشابهان فقرطبة حافظت رغم تمدنها على أصالتها وتاريخها ونظافتها بينما طنجة مسخت تماما وصارت كائنا إسمنتيا لا روح فيه ولا معنى ‼.