لا يغفل الجالس في مقهى "الحافة" الشهيرة بمدينة طنجة، هدير الآليات وأزيز الجرافات التي تواصل ليل نهار، أشغال تهيئة المنطقة المينائية، التي لا تبعد سوى بأمتار قليلة عن هذا الفضاء المطل مباشرة على البحر، ويبدو منها أيضا الطريق الساحلي لكورنيش "مرقالة". أمام استمرار هذه الأشغال، ظل الكثير من عشاق هذا المقهى، متوجسين بشكل كبير من المصير الذي ينتظره، في الوقت الذي تم فيه محو العديد من آثار المعالم التي كانت متواجدة غير بعيد عن هذا الفضاء، وما خبر باب الميناء وبرج البلايا ببعيد.. لكن يبدو أن الأمر يختلف كثير بالنسبة مع لمقهى "الحافة"، على اعتبار أنه أصبح ضمن لائحة الآثار التي لا يجوز المساس بها، تبعا لقرار صادر عن وزير الثقافة، محمد الأمين الصبيحي. قرار وزير الثقافة، الذي شمل إلى جانب مقهى "الحافة"، أيضا 17 بناية ومعلمة تاريخية في طنجة، جاء تقييدها في عداد المآثر ، التي يمنع إجراء أي تغييرات عليها إلا بإذن من الوزارة، وذلك بطلب من والي جهة طنجةتطوانالحسيمة، محمد اليعقوبي، الأمر الذي من شأنه أن ينهي مخاوف مختلف الفاعلين الجمعويين وساكنة المدينة. ومقهى "الحافة" الذي افتتح سنة 1921، على إطلالة بحرية، استمد تسميته منها، فهذا الموقع الذي يضم هذا المقهى، هو ذو بنية غريبة، هي عبارة عن مجموعة من الطبقات الصخرية، واحدة تؤدي إلى أخرى... في هندسة طبيعية نادرة. كل ما بهذه المقهى يدل على طابعها الشعبي البحت، من كؤوس الشاي الطنجاوي المنعنع والمنسم بأعشاب خاصة طيبة المذاق، إلى "البيصارة" التي اشتهرت بها هذه المقهى، وصولا إلى روادها الذين يحبذون عقد تجمعاتهم بها. شعبية هذه المقهى تعدت المدينة بل وحدود المغرب. حتى أصبحت معلمة من معالم المدينة. استقبلت هذه "الحافة" أدباء وفنانين عالميين من أمثال بول بولز ومحمد شكري وغيرهم الذين وجدوا فيها ضالتهم ومهبط الإبداع على جنبات زرقة البحر. وأنشئ المقهى من طرف "با محمد"، وظل محافظا على طابعه التاريخي، لكن الرجل أنهكه المرض في السنوات الأخيرة من عمره، اضطر لتأجير المقهى لصاحبه الحالي (عبد الرحيم) الذي عمل به كنادل منذ سنة 1971. مقهى الحافة الآن لم تعد كما كانت، بعدما اختلط الحابل فيها بالنابل، وأصبحت تستقبل بدون حرج مدمني الشيشة والمخدرات، حتى أنها صارت تمنع الاطفال أقل من 18 سنة من ولوجها، فلم تعد مكانا أسريا مفتوحا أمام الجميع. وافتقرت لجلسات الأدباء والفنانين وحتى السياسيين بين جنباتها. كثيرون يقصدونها بين الحين والآخر ليستمتعوا بمنظرها الجميل وامتداد البحر الذي لا ينتهي. وأيضا ليتحسروا على ماضي المقهى الذي لا يعود.