كلما وقع المغرب في ورطة أو أزمة، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، إلا وتجد الحلول الارتجالية تنهال علينا من لدن السياسيين و الإعلاميين، وحتى من لا يفرق بين الألف و” الزرواطة “، يحشر أنفه في مثل هذه القضايا، ويقترح حلولا شبيهة بالخواطر أو أحلام اليقظة، لا تسمن ولا تغني من جوع. إن المنابر الإعلامية والمواقع الإلكترونية، أتاحت للجميع، وبدون قيد ولا شرط ،إمكانية أن يصبح مُنَظِّرا اقتصاديا، ومحللا سياسيا،ومصلحا اجتماعيا، ومع ذلك نحن نعيش أزمة إصلاح خانقة، أو بالأحرى أزمة تقييم للتجارب السابقة التي على ضوئها يمكن استشراف المستقبل ، وجعل رحى الإصلاح تدور في المنحى الصحيح. تاريخ المغرب حافل بالأزمات والأوجاع، إلا أننا لا نأخذ العبرة من التاريخ، إذ تجدنا نقع في نفس الأخطاء التي وقع فيها أجدادنا، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نستحضر معا المرحلة التاريخية التي قسمت ظهر المغرب والمغاربة، والمتمثلة في النكبتين العسكريتين اللتين تعرض لهما المغرب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فالأولى تجلت في الاندحار المذل أمام القوات الفرنسية في معركة اسلي سنة 1844 ، والثانية في حرب تطوان أمام الجيش الإسباني سنة 1859، ليدخل المغرب بعدها مرغما في مرحلة الإصلاح المفروض عليه من طرف القوى الاستعمارية، التي كانت تتربصبه عرض البحر الأبيض المتوسط. فإذا أخذنا بعين الاعتبار هذه الإصلاحات التي أقدم عليها سلاطين الدولة العلوية بعد تلك النكسة التي أجهزت على مقومات الدولة المغربية ولحقت ضررا كبيرا بها، ولا سيما حرب تطوان، التي قال عنها المؤرخ المغربي أحمد بن خالد الناصري قولته الشهيرة في كتابه “ الاستقصا“ : “ ووقعة تِطَّاوين هذه التي أزالت حجاب الهيبة عن بلاد المغرب واستطال النصارى بها وانكسر المسلمون انكسارا لم يعهد له مثله وكثرت الحماية ونشأ عن ذلك ضرر كبير“ فهي لم تكن تعبر عن رؤية ذاتية ومستقبلية، أو تعبير صادق عن إرادة شعبية، بل على النقيض من ذلك فهي كلفت خزينة الدولة الشيء الكثير، ليدخل المغرب في أزمة مالية أرخت بظلالها على البنية العسكرية والاقتصادية وحتى الاجتماعية للمغرب، وبرهنت بالملموس على ضعف السلطة المركزية والآلة الدبلوماسية للدولة، فالمشروع الإصلاحي المفروض خدم أجندات أجنبية، وساهم في ظهورانشقاقات في صفوف المجتمع المغربي بين مؤيد ومعارض لهذه الإصلاحات، ولاسيما من طرف الفقهاء، الذين عارضوا هذا المشروع جملة وتفصيلا بدعوى أنه مقترح نصراني لا يعتد به، ولا يعبر عن إرادة الشعب ولا يحترم الخصوصيات الدينية والثقافية والوطنية للمغرب والمغاربة. فالمستفاد من هذه الأحداث ومن تجارب إصلاحية أخرى عرفها تاريخ المغرب ومازال، تجعلنا نقر بأن المغرب يعرف أزمة إصلاح حقيقية ، فإذا نظرنا إلى التجارب الإصلاحية التي أقدم عليها ساستنا ومنظرونا عبر مسار تاريخي طويل، سنجد منها القابل للتطبيق، أو الممكن تنقيحه ليصبح سائر المفعول على المدى البعيد، ومنها ما يمكن اعتباره “مضيعة للكاغيط“، إلا أن ما يعرقل نجاح العديد من المشاريع الإصلاحية، هو انعدام تقييم حقيقي للتجارب السابقة وللواقع المعاش، أضف إلى ذلك إجهاض بعض المشاريع التنموية والإصلاحية التي أقدمت عليها سلطة أو حكومة معينة سابقة، من طرف هيأة سياسية جديدة اعتلت سدة الحكم ،بدل أن تحمل المشعل وتشرف على إتمام ما تبقى من ذاك المشروع الذي سينتفع منه البلاد والعباد ،بالإضافة إلى غياب إشراك حقيقي لكل فعاليات المجتمع المدني وللكوادر التي تستحق أن تشرف على صياغة مشروع إصلاحي يراعي خصوصيات هذا البلد ، وفي هذا المقام نستحضر بعض القطاعات الحيوية التي طالها الإصلاح الارتجالي كالتعليم مثلا، الذي مازال يعيش العديد من التخبطات والإصلاحات الفاشلة التي كانت سببا في جعل التعليم المغربي يقبع في المراتب الأخيرة في التصنيف العالمي ، فرغم استيراد البيداغوجيات الأجنبية ، وتجاذبه ما بين دعاة فرنسته وتعريبه ، إلى درجة أصبح فيها بمثابة فأر للتجارب ، وقس على ذلك مجموعة من الإكراهاتالأخرى التي يعانيها هذا القطاع أصبحت حديث المقاهي، فلا داعي لإراقة المداد حوله حتى لا نضع الموكولين لهم تدبير هذا القطاع في موقف حرج، مع العلم أننا على يقين تام أن وجنتاهم لا يصيبها احمرار من الخجل، حسرة وتأسفا على ما آل إليه قطاع التربية والتعليم في عهدهم،كما أن فشل الإصلاحات في هذا القطاع أصبح فشلا متوارثا ولا داعي لانتقاد حكومة بعينها، بقدر ما نحمل المسؤولية لأشخاص لا يعيشون بيننا وليست لديهم أدنى دراية بحقل التربية والتعليم، ولا يراعون مشاعر وعادات وتقاليد المغاربة ، إن لم نقل لا يتشبعون بالثقافة المغربية الأصيلة التي ستمنحهم القدرة على فهم الذهنيات والتجاوب مع العرقيات ، فهذا القطاع إن فسد فسدت باقي القطاعات الأخرى.وخلاصة القول أن من أسندت لهم مهام إصلاح المجتمعات والسياسات يجب عليهم أن يكونوا على استعداد نفسي، ويتوفرون على زاد معرفي محترم، يساعدهم على قراءة الوقائع والأحداث قراءة علمية، يستحضرون فيها البعد الإنساني والأخلاقي والتاريخي وحتى الديني، ليتمكنوا في الأخير من اقتراح حلول عملية وناجعة لأعوص المشاكل التي قد تواجه المجتمع برمته، والغاية من هذا كله تكوين رؤية إصلاحية تتماشى مع متطلبات العصر وإرادات الدولة والشعب ، إضافة إلى ضرورة انخراط كل الفعاليات المعنية في إصلاح قطاع معين،بما في ذلك ممثلين عن المجتمع المدني، في اقتراح وصياغة المشاريع الإصلاحية. كما أن الحديث هنا لا يقتصر فقط على قطاع التربية والتعليم،بل هذا الأخير اعتبرناه نموذجا لفشل سياسة الإصلاحات بالمغرب ، لأن هذا الأمر ينطبق كذلك على قطاع الصحة والإدارات العمومية ، والمؤسسات الضريبية ، وآخرها الفشل الذريع الذي لحق مراجعة وإصلاح غلاء فواتير الماء والكهرباء التي تسببت فيها الشركة الأجنبية “ أمانديس “. التي ساهمت في تفقير المجتمع الطنجي.