بقلم: إدريس الخولاني/ كاتب صحفي من وجدة يعرف قطاع التعليم ببلادنا أزمة خانقة منذ عدة عقود، نتيجة الفشل الذريع لكل المحاولات الإصلاحية من الاستقلال إلى اليو، بسبب الخيارات اللاشعبية، واللاديموقراطية للوزراء الذين أداروا هذا الملف بمنطق ارتجالي وعبثي؛ ما حول التعليم إلى أداة لتفريخ المعطلين واليائسين. لقد ظل التعليم يعيش تحت هيمنة القوى المحافظة، الاستقلالية منها، واليسارية التي تتحمل مسؤوليتها التاريخية والأخلاقية في ما آل إليه قطاع التعليم من فشل، وتعثر، وإفلاس، وكساد. إن تاريخ التعليم ببلادنا، هو بحق تاريخ العمليات، والتجارب الإصلاحية في فترات قياسية.. ما يكاد يتحمل كل وزير جديد مسؤولية إدارة التعليم، إلا وينتقد ما قام به سلفه، ويعد أن تكون عهدته بداية الإصلاح الحقيقي، فيخرج علينا بنظرية جديدة، أو" مشروع إصلاح"، أو" برنامج استعجالي"... إلى غير ذلك من المصطلحات الجملية التي استعصى على رجال التعليم فك طلاسمها ورموزها.. فمسارعة الوزير الاستقلالي الوفا إلى إعلان فشل" البرنامج الاستعجالي" خير دليل على أن تدبير قطاع التعليم والتربية، يظل حبيس حسابات سياسية، وايديولوجية، ومصلحية بين المسؤولين؛ كما بقي فريسة مقاربات تقنية تجزيئية، حيث صرفت الملايير، دونما أن تظهر النتائج المرجوة، والأهداف المسطرة، ولنا أن نذكر إصلاحات 1964.1973.1983.1994 التي فشلت كلها في انتشال التعليم من أزمته التي ما فتئت تتفاقم مع توالي السنين لأسباب متنوعة ومختلفة، كالاكراهات المالية، وانخفاض وثيرة التمدرس، وتعثر سياسة التعريب، وضعف الأداء التربوي والتثقيفي لرجال التعليم، وعدم ملاءمة التعليم لحاجيات السوق المغربية، وعدم انفتاحه على المحيط السوسيو اقتصادي؛ فضلا عن بروز بون شاسع بين تعليم نخبوي بالبعثات الجنبية، وكبريات المعاهد الفرنكفونية، وبين تعليم عمومي شعبي، غير منتج، يفرخ المعطلين والمحبطين.. ولعل مسؤولية فشل منظومتنا التعليمية، يتقاسمها كل هؤلاء الذين أشرفوا على قطاع التعليم من الاستقلال إلى الآن، وكذا رجال التعليم الذين تملكتهم هواجس المطالبة بالحقوق المادية، وانشغالهم بالساعات، والحصص الإضافية، في مقابل عدم أداء الواجب؛ من أجل تنشئة اجتماعية، تربوية، ومواطنة؛ علاوة على فشل المناهج التربوية التي تتسم بالتجارية، والارتجالية، والهشاشة، وغياب الإرادة السياسية الحقيقية لمعالجة الاختلالات، وفق مقاربة وطنية شمولية، وديموقراطية، تأخذ بعين الاعتبار كافة الأبعاد الضرورية للنهوض بالتعليم الوطني، وبالمدرسة العمومية، وحل المشاكل البيداغوجية، والمهنية، والاجتماعية، والمالية، والإدارية. إن مراهنة البعض على الوصفات الجاهزة التي تستقدم من الخارج، أو تملى من طرف المؤسسات الدولية بعد فشل التعريب، حولت نظامنا التعليمي برمته إلى حقل تجارب، مما نسف كل الجهود لإصلاحه. إن مستقبل التعليم بالمغرب، لا يمكن أن يتضح إلا بإقامة منظومة تربيوية، وتعليمية، مندمجة في محيطها الاجتماعي، والاقتصادي، تستجيب لشروط التنمية المستدامة، عبر عصرنة المدرسة المغربية، وربطها بالتطور البيداغوجي، والعلمي، والتكنولوجي العالمي، وتشجيع اللغات، دونما التفريط في خصوصياتنا التقافية، واللغوية، والتراثية، ثم النهوض بأسرة التعليم اجتماعيا، وتكوينا مستمرا، وجعلها خلاقة، ومبدعة، ومواطنة.. فالتقارير الدولية، تكاد تجمع على أن المغرب ما يزال متأخرا، مقارنة مع الدول التي حققت نجاحات باهرة في مجال التعليم، وأصبحت نموذجا يحتدى به.