أكد أستاذ تاريخ الفن المعاصر جوبير بارتيليمي، اليوم الجمعة بالرباط، أن “رحلة أوجين دولاكروا إلى المغرب كان لها تأثير في مساره، بحيث ألهمت كتاباته ورسوماته التي وثقت للأحداث”. وقال بارتيليمي في مداخلة خلال الجلسة الخامسة ضمن أشغال ندوة دولية حول موضوع “اللوحة المغربية لأوجين دولاكروا من 1832 إلى 1863″، التي نظمتها أكاديمية المملكة المغربية، إن رحلة دولاكروا إلى المغرب كان لها تأثير في أعماله بصفته كاتبا قائما بذاته وليس مجرد كاتب رسام. وأبرز أستاذ تاريخ الفن المعاصر أن دولاكروا أجاد الكتابة لكنه كان خلال شبابه مترددا بين الأدب والرسم والموسيقى، مضيفا أن دولاكروا استعان بالمذكرات والمراسلات والمفكرات لتدوين ملاحظاته مشفوعة برسومات حتى لا ينسى ما رآه خلال رحلته إلى المغرب، محاولا الاحتفاظ بالحقيقة وعدم الوقوع في فخ الاستشراق السائد حينها. وأوضح بارتيليمي أن دولاكروا كتب عدة مراسلات حول رحلته إلى المغرب إلى بيري وأشيل بيرون وفيلكس غييماردي، الذين كانوا أصدقاءه في مرحلة الدراسة في الثانوية بباريس، حيث تبادل معهم عدة رسائل، لكن الرسائل الثماني التي أرسلها إلى صديقه بييري شكلت الوصف الحقيقي للمغرب. وتتبع جوبيرت بارتميلي المراحل التي تبلورت فيها طريقة دولاكروا في الكتابة، من كتاباته قبل الرحلة إلى المغرب إلى منشوراته في مجلة بيتوريسك وألبوم مونراي ثم وصفه حفلات الزفاف اليهودية. من جانبه، اعتبر تييري لوجي، المحاضر في تاريخ الفن المعاصر بجامعة السوربون بباريس أن دولاكروا كان معجبا بما شاهده وترسخ في ذكرياته حول زيارته للمغرب، والتي لم تكتمل. واعتبر لوجي أن رحلة دولاكروا إلى المغرب تعتبر إرثا أمكن للفنان اكتشافه وكتابته ورسمه، مقدما شهادة ذات أهمية بالغة. وأكد أن دولاكروا “بتكرار رسوماته وملاحظاته إنما قدم صورة عن مظاهر المدن المغربية قبل اختراع التصوير الفوتوغرافي، نائيا بنفسه عن الاستشراق الذي انتهجه معاصروه”. كما اعتبر أن مدينتي طنجة ومكناس تركتا أثرا على أعمال دولاكروا، مما يدل على انجذاب الفنان إلى الألوان الزاهية التي استخدمت في صباغة المنازل والقباب والأقواس، مثل بناء طنجة أو الباب الأخضر الذي تميزت به المنازل المغربية. من جهته، أبرز المحافظ العام ومدير قسم فنون الرسم بمتحف اللوفر، كزافيي سالمون، أن السياق السياسي الذي عاشه دولاكروا مكنه من اكتشاف المغرب، وهو الذي لم يسافر في حياته سوى مرة واحدة إلى إنجلترا. وأكد سالمون، في معرض تناوله للتحول الذي عرفته أعمال دولاكروا، أن كتاباته عرفت تحولا فريدا وعكف على عقد مقارنات بين ما يراه وما كان يعرف عنه من قبل، مدونا ملاحظات ورسومات لكي تحتفظ ذاكرته بكافة التفاصيل. من جانبه، سجل الأستاذ الجامعي الزوين مجيد أنه بعد العودة إلى فرنسا، جمع دولاكروا أدوات وأشياء من المغرب تشمل أقمشة وأواني فخارية وأسلحة وجلودا وملابس وآلات موسيقية وصناديق تجمعت لديه من رحلته إلى المغرب. واعتبر الأكاديمي المغربي أن هذه الأشياء والمواد شكلت توجها فنيا لدى دولاكروا باعتبارها انطباعات ملموسة عن رحلته العظيمة تجسد ملاحظاته ورسوماته، ما شكل لديه ذاكرة مادية لرحلته إلى المغرب. وتشكل الندوة الدولية حول موضوع “اللوحة المغربية لأوجين دولاكروا من 1832 إلى 1863″، ملتقى مميزا للتبادل والتفكير في إطار منظومة من النظرات المتقاطعة، قصد فهم الفنان وزمنه على نحو أفضل.