بمجرد جلوسه على كرسي عمودية طنجة حتى وجد الأستاذ محمد البشير العبدلاوي نفسه أمام مدينة هائجة على مجموعة من المستويات، ولعل ملف شركة "أمانديس" الشائك أبرزها، بعد أن عمت الاحتجاجات ضد هذا الغول الفرنسي ووصلت لكل الأزقة والدروب، حيث ما خلا حي من أحياء طنجة إلا وعرف صيغة من الأشكال الاحتجاجية، بالتزامن مع حملة إعلامية بدت في بعض معالمها غير بريئة ضد العمدة المنتمي لحزب رئيس الحكومة. هذا الضغط الإعلامي والشعبي دفع العمدة إلى ارتكاب العديد من التصريحات المفاجئة، جعلت العديد من المراقبين يعيدون النظر في شخصية الأستاذ البشير العبدلاوي التي تعتبر ناجحة بامتياز على مستوى التسيير النقابي والحزبي، مما جعلته يتبوأ مكانة معتبرة لدى أعضاء الحزب ومتعاطفيه بل لدى معظم مكونات الطيف المجتمعي محليا وجهويا. لكن على مستوى رئاسة جماعة ومدينة من حجم طنجة فالقضية مختلفة، فالأمر يتعلق بضغوط من نوع خاص، وأضواء إعلامية مثيرة، وتعامل خاص مع المسئولين المتنوعة أشكالهم..ومنصب العمودية يقتضي الحزم والشدة في مواضع وليونة محسوبة في مواضع أخرى، كما أن شخصية العمدة من المفروض أن تكون قوية في مثل هاته المناسبات الاستثنائية، تعبر عن مواقف متناغمة مع المطالب الشعبية، وفي نفس الآن مؤثرة على مستوى أصحاب القرار، تماشيا مع رؤية النضال من داخل المؤسسات المنتخبة، وهو ما بدا غير متوفر حتى الآن وإن كان هذا التقييم سابق لأوانه نوعا ما . هذا الانطباع الأولي يجعلنا نميل إلى بعض المعطيات التي يتداولها البعض، والمتعلقة بإبعاد مدبر للدكتور محمد نجيب بوليف الذي يعتبره مجموعة من المراقبين مناسبا في منصب العمودية بالنظر لكاريزمانيته وتكوينه وكذا تمرسه، وظهر اليوم الهدف الحقيقي من إبعاده عن مدينة طنجة وإلهائه في وزارة غارقة في مشاكل يمكن اعتبارها غير أساسية وليست ذات أولوية، حيث أرغمته على التواري إلى الخلف تنظيميا وإعلاميا، حتى بدأ البعض يتساءل باستغراب، أين محمد نجيب بوليف الذي كان يعرفه ويتابعه الرأي العام المحلي؟حيث المواقف القوية والتواجد المستمر؟ ألهذه الدرجة يمكن لوزارة صغيرة أن تؤثر في شخصية من طينة بوليف، أم أن الأمر يتعلق بأشياء لا زالت غير معلومة حتى الآن؟ أم أن الأمر يتعلق بأمر مدبر لإبعاد بوليف عن الوصول للعمودية التي كانت كل الدلائل تشير إلى أنها ستؤول للعدالة والتنمية. وبالعودة إلى فواتير الماء والكهرباء التي طلعت فجأة وبشكل صاروخي (وإن كانت هي في الأصل مرتفعة)، فإن توقيتها المتزامن مع تولي حزب العدالة والتنمية لعمودية طنجة يطرح أكثر من علامة استفهام حوله، خاصة وأن مسألة إحراج الحزب الذي حصل على الأغلبية المطلقة بمختلف المقاطعات واردة جدا، هذا إذا علمنا أن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة لإغراقه في مشاكل المدينة من خلال إبرازها أكثر وتحريكها إعلاميا، في أفق تقليص حجمه المتنامي، وشعبيته المتزايدة في صفوف الفئات الشعبية المؤمنة بالمشاركة في العملية الانتخابية، كما أن عدم ترك الفرصة للحزب الإسلامي لتنزيل محاولاتهالإصلاحية أمر محتمل، للتأثير على الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها نهاية سنة 2016 . والغريب في ما يجري بمدينة طنجة أن بوصلة الاحتجاج توجهت رأسا إلى الشركة المستفيدة من تدبير الماء والكهرباء وبشكل أقل إلى العمدة بسبب فلتاته الكلامية، وبسبب أيضا مضمون بلاغه المثير، لكن القليل من يتوجه بانتقاداته إلى من زاد جرعات في الأسعار، والأمر يتعلق بقرار رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران القاضي بإنقاذ المكتب الوطني للماء والكهرباء الذي كان على شفا الإفلاس بسبب سوء التدبير والتسيير الإداري والمالي لولا "حنية" بنكيران، وذلك من خلال ضخ الملايير من أموال الشعب (أزيد من 3000 مليار سنتيم )دون أخذ رأيه في مالية هذه المؤسسة المفروض أنها تشتغل بشكل مستقل تدبر مداخيلها بالشكل الذي يحقق لها التوازن، والبقية المالية التي يحتاجها مكتب علي الفاسي الفهري تمر عبر الزيادة في أسعار الماء والكهرباء، طبعا دون المرور عبر سياسة المحاسبة تفعيلا لنصوص الدستور الوثيقة الأساسية للمغرب . الخلاصة أن عمدة طنجة سيجد نفسه خلال المدة القادمة، بين سندان الاحتجاجات التي ازدادت حدتها ومن المرتقب أن تتضاعف أكثر خلال الأيام المقبلة خاصة بعد الإعلان عن الأشكال الاحتجاجية المنتظر أن تشارك فيها فئات واسعة نهاية الأسبوع الجاري ، ومطرقة عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة وأمين عام حزبه الذي قرر زيادة أسعار الماء والكهرباء بعد أن ضخ الملايير في صندوقه دون الرجوع إلى الشعب صاحب المال، لإنقاذ المكتب الوطني من الإفلاس، على حساب الفئات الشعبية الضعيفة .