بين الأزقة الهادئة والساحرة للمدينة العتيقة لأصيلة، وبين أسوارها الشامخة المطلة على المحيط الأطلسي والشاهدة على عراقة تاريخها، يوجد فضاء مفعم بحيوية ونشاط العشرات من الأطفال الحاملين لريشاتهم والمنغمسين في رسم لوحاتهم المعبرة عن حسهم الإبداعي اللامحدود. فبفضاء قصر الثقافة، حرص منظمو موسم أصيلة الثقافي الدولي (من 21 يونيو إلى 17 يوليوز المقبل)، الذي يطفئ هذه السنة شمعته الواحدة والأربعين، إقامة كل سنة مشغلا يشرف عليه فنانون شباب ومتمرسون، لتقريب أطفال أصيلة من الفن التشكيلي، وتمكينهم من صقل مهاراتهم، وإعطائهم الفرصة لإطلاق العنان لإبداعهم. فعلى مدى دورات الموسم ال41، أصبح مشغل مواهب الموسم مدرسة فنية حقيقية، ومختبرا يصنع فناني الغد، فبفضل هذا المشغل أمسك براعم المدينة بالريشة لأول مرة ورسموا أولى لواحاتهم، ومنهم من أصبح اسما لامعا في مجال الفن التشكيلي، ومنهم من عاد للمشغل ليؤطر جيلا جديدا من المواهب. ونظرا للنجاح والإقبال الذي يشهده المشغل، ولتمكينه من تحقيق هدفه النبيل المتمثل في ضخ دماء جديدة في الجسد الفني للمدينة وإتاحة براعمها الفرصة لاستكشاف مواهبهم وقدرتهم الإبداعية، تجاوز تنظيم هذا المشغل أيام موسم أصيلة ليمتد على طول السنة. وفي هذا الصدد، تقول المشرفة على المشغل، السيدة كوثر الشريكي، إن تنظيمه طيلة أيام السنة ينبع من حرص مؤسسة منتدى أصيلة على أن يتمكن أطفال المدينة من تعلم الرسم بكيفية مستمرة، مضيفة أن عدد الأطفال المشاركين يرتفع خلال أيام الموسم بحكم قدوم أطفال من مناطق أخرى والذين يقضون عطلتهم الصيفية بأصيلة. وسجلت السيدة الشريكي، وهي فنانة تشكيلية وعضو بمؤسسة منتدى أصيلة، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، مشاركة قرابة 300 طفل ومراهق هذه السنة في المشغل تتراوح أعمارهم ما بين أربع و17 سنة، مؤكدة أن “الورشة مفتوحة أمام الجميع لممارسة هوايتهم في الرسم، في مناخ يتسم بالحرية والاحترافية والإبداع”. وأبرزت أن المشغل يتم تأطيره من قبل فنانين محترفين، وهو ما يشكل فرصة ثمينة للأطفال الذين يتوفرون على موهبة مسبقة في الرسم من صقل معارفهم وتعلم تقنيات جديدة، معتبرة أن الفنان الذي يساهم في تأطير المشغل يتعلم هو الآخر من الطفل، لأن “هناك جمالية في عفوية الطفل لا يمكن وصفها”. وقالت السيدة الشريكي إن الأطفال المشاركين يستفيدون من هذا المشغل على الصعيدين التربوي والفني، فعلاوة على تعلمهم تقنيات الرسم وكيفية التعامل مع الألوان والمزج بينها، فإنهم يرفهون في نفس الوقت عن أنفسهم ويغيرون من الروتين اليومي المتعلق بالمدرسة والمنزل. وأضافت الفنانة التشكيلية أنه يتم، في ختام موسم أصيلة، تنظيم معرض تقدم فيه كل أعمال ولوحات الأطفال المشاركين في المشغل بدون استثناء، معتبرة إياها تجربة مهمة يعيش فيها الطفل أجواء المعارض الفنية. ويعتبر موسم أصيلة الثقافي الدولي، المنظم من طرف مؤسسة منتدى أصيلة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، احتفاء سنويا بالفكر والفنون. ويشمل برنامج الدورة ال41، علاوة على تنظيم سلسلة من الندوات الفكرية والعلمية، برمجة ورشات في الفن، ستستضيف رسامين ونحاتين من المغرب ومختلف دول العالم. كما تشمل البرمجة على عروض موسيقية وغنائية سيحييها فنانون من المغرب وفرنسا وإسبانيا والسنغال ومالي وغانا وأنغولا والرأس الأخضر. من جهة أخرى، سيستضيف معرض مركز الحسن الثاني للملتقيات، لأول مرة، معرضا لأعمال الفنانين الأفارقة الذين شاركوا في ورشة الفنون لمدة 40 عاما، أي منذ انطلاق الموسم في سنة 1978. وسيحتضن جناح آخر للمركز معرضا مخصصا للدورة الثالثة من “ربيعيات”، ربيع أصيلة 2019، والذي سيتضمن أعمال لفنانين يشاركون في ورشة “ربيعيات الفنون”، التي تنظم كل عام خلال شهر أبريل.