ثمة أشياء وأفعال صغيرة يمكن صياغتها في حكاية تاريخية، بل يمكن أن تغدو تاريخا مهما، محليا وجهويا. أرضية ينطلق منها موسم أصيلة الثقافي الدولي في دأبه على تنظيم ورشات خاصة بالأطفال في برامج دوراته السنوية "مرسم الطفل"، أهم ورشة للطفولة صاحبت فعاليات موسم أصيلة منذ انطلاقته قبل ثلاثة عقود ونصف، ورشة واكبها أطفال صغار صار كثير منهم اليوم فنانون تشكيليون ذائعو الصيت، ليس في مدينة أصيلة وحدها، وإنما على المستوى الوطني وكذلك الدولي في كثير من الاحيان. في باحة قصر الريسوني المعروف ايضا بقصر الثقافة، تضع طفلة لا يتعدى عمرها تسع سنوات، لوحتها لتجف تحت الشمس، وقد بدت على محياها سعادة غامرة، فأستاذها الذي ليس إلا مؤطر الورشة قد أثنى على ما أنجزته من إبداع فني سيحمل إسمها. "منذ ثلاث سنوات وأنا أشارك في مرسم الطفل وتعلمت الكثير في فن الرسم"، تقول هذه الطفلة الصغيرة سعيدة ثم تضيف " حلمي هو أن أرسم لوحة كبيرة على حائط مدرستي سيدي محمد علي مرزوق". في قاعة الرسم، يتحلق أعداد من الأطفال حول مؤطرهم الفنان "مصطفى مفتاح"، ليعرضوا عليه ما أفرزته أناملهم وريشاتهم من لوحات فنية مستوحاة من أحلامهم ومخيلاتهم البريئة. "اختيار أصحاب فكرة مرسم الطفل لشخصي المتواضع لتأطير هذه الورشة نابع من أنني فنان مهتم بالطفولة في كل أعمال"، يتحدث مصطفى مفتاح في تصريح ل"طنجة 24" عن وجوده لأول مرة كمؤطر لورشات مرسم الطفل بمنتدى أصيلة الثقافي، "عملي التشكيلي المعروف بشكل عام مرتبط بالطفل واليوم نخوض هذه التجربة مع هؤلاء الاطفال في الصباغة بالألوان بكل تقنياتها القديمة والجديدة"، يشرح مفتاح مضيفا. اطفال اليوم هم جيل الغد، قاعدة نجح مرسم موسم أصيلة في تكريسها وتنزيلها على أرض الواقع، بعدما ساهم في صقل مواهب اعداد من الكتاكيت الذي صار اليوم لهم مكانهم في ساحة الفن التشكيلي على كافة المستويات. في أحد أركان باحة قصر الثقافة، ينهمك الفنان مصطفى الحمزاوي في وضع أولى لمساته على لوحة تشكيلية جديدة، يرتقب أن تنضاف إلى ذاكرة مدينة أصيلة. "منذ كان عمري 14 سنة وأنا أشارك في فعاليات منتدى أصيلة من خلال ورشة مرسم الطفل الماثلة أمامنا"، يتحدث الحمزاوي الذي هو أحد أبناء مدينة أصيلة عن بدايته الاولى في عالم الفن التشكيلي، ثم يشرح مضيفا "الموهبة الفنية التي أتمتع بها كانت كامنة بداخلي منذ سن مبكرة من عمري لكنها لم تكن لتنمو لولا مشاركاتي في مرسم الطفل. جنبات الفضاء المخصص لفني الرسم والحفر، تعج بالحركة والنشاط، فنانون من مختلف الأعمار ومن مختلف مناطق المغرب والعالم، يواصلون بصم لمساتهم على لوحاتهم ومنحوتاتهم، مشهد قلما يبدو له نظير في مدن العالم، لكنه حاضر بقوة هنا في أصيلة، مدينة الفنون.