حرام أن يدخل صحافي السجن في إسبانيا.. ورغم ذلك يطالب الإسبان بمزيد من حرية التعبير العرب، الذين كانوا عبارة عن أصنام جامدة، صاروا اليوم نموذجا للحرية والكرامة عند باقي العالم، وبدأت شعوب أوربية وآسيوية ولاتينية تخرج إلى الشوارع والساحات للاعتصام على الطريقة العربية. ففي إسبانيا، خرج الناس إلى ساحة «بويرتا ديل سول» في العاصمة مدريد واعتصموا هناك، ثم غيروا اسم الساحة إلى «ساحة التغيير». من قال إن العرب انتهى دورهم منذ أن اخترعوا الصفر وسكنوا فيه؟ هاهم يثبتون اليوم أنه يمكنهم قيادة العالم باحتجاجاتهم وثوراتهم، وأن الصفر الذي اخترعوه ليس عشا أزليا على رؤوسهم. في مدينة برشلونة أيضا يوجد اعتصام مفتوح ليلا ونهارا. وهذه المدينة لم يجعلها فرحها بلعب فريقها نهاية كأس عصبة الأبطال نهاية هذا الأسبوع تنسى أن هناك أشياء كثيرة أهم من كرة القدم. الشعوب المتخلفة هي وحدها التي تدوّخها الكرة. في الاعتصام المفتوح بساحة «بوريتا ديل سول» في مدريد، أسس المتظاهرون «أجهزة شعبية» وأنشؤوا قسما للاتصال والمعلوميات والصحافة، لإدراكهم أن الإعلام يلعب دورا محوريا في مطالب التغيير، وأنشؤوا مصحات ومكتبات ومخادع هاتفية ومطاعم وقاعات تلفزيون وأماكن للنوم، وأنشؤوا مجموعات مختلفة خاصة بالتنظيف والحراسة والتعبئة، وغير ذلك. إنها نفس العملية التي اتبعها، من قبل، المتظاهرون في تونس أو مصر أو اليمن، بل إن المتظاهرين الإسبان فعلوا أكثر من ذلك وسموا حركتهم الشعبية على الطريقة العربية، حيث أطلقوا عليها اسم «حركة 15 ماي». التقليد الإسباني للانتفاضات العربية وصل حدا أكبر، وذلك عندما أطلق المحتجون اسم «ساحة التغيير» على الساحة التي يعتصمون فيها، تيمنا بساحات التغيير في العالم العربي. لكن يبدو أن الساحة التي يعتصم فيها أهل مدريد حاليا لها اسم جميل ومعبر، وهي «باب الشمس»، والعرب عموما لا يطمحون إلى أكثر من باب تطل من خلاله الشمس على رؤوسهم التي غيبها الظلام. فأكثر ما ينقص العرب، والمغرب خصوصا، هو باب كبير تدخل منه الشمس، شمس الشفافية وأشعة النزاهة وحرارة المحاسبة. ولو أن المنتفضين العرب عقدوا اتفاقيات شراكة مع المحتجين الإسبان لتبادلوا أسماء الساحات، الإسبان يسمون ساحاتهم «ساحات التغيير»، والعرب يسمون ساحات الاحتجاج «أبواب الشمس». المثير حقا هو أن الإسبان يأخذون منا أفضل ما عندنا، يأخذون منا الحق في الغضب والاحتجاج والثورة ضد الأصنام، بينما نأخذ منهم البارصا وريال مدريد. ويبدو حتى الآن أن المغاربة منشغلون أكثر بنهاية عصبة الأبطال بين البارصا والمانشستر أكثر من انشغالهم بمظاهرات محاربة الفساد. وفي الثامن والعشرين من الشهر الجاري، سيلاحظ الجميع أن عدد الجالسين في المقاهي لمتابعة هذه المباراة سيكون أكبر بكثير من عدد الذين يخرجون إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط الفساد.
إذن، فالمغاربة، الذين لا زالوا يخرجون باحتشام إلى المظاهرات وكأنهم ذاهبون إلى عرس «بلا عْراضة»، يمكنهم هذه المرة أن يأخذوا العبرة من إسبانيا. وبما أنهم يحبون ريال مدريد والبارصا، فيجب أيضا أن يحبوا حركة 15 ماي. والغريب أن فبراير يسبق ماي، ومع ذلك استقطبت حركة 15 ماي كل الأنظار مع أنها جاءت بعد حركة 20 فبراير ب3 أشهر، رغم أن إسبانيا لا يوجد فيها لصوص كبار مثلما في المغرب، ولا يوجد في إسبانيا حزب «البام»، ولم يسبق في إسبانيا أن أفرغ ذوو النفوذ أبناكا ومؤسسات بكاملها مثلما حدث عندنا في بنك «السيّاشْ» والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وصندوق التقاعد وهلم جرا. في إسبانيا، رفعت حركة 15 ماي شعارا يقول إن ديمقراطية إسبانيا مزيفة، وعلت الهتافات للمطالبة بالمزيد من حرية التعبير، مع أنه لا يوجد هناك صحافيون في السجن، لأنه من المحرم أن يدخل صحافي السجن بسبب مقال كتبه، ولا تتم محاكمتهم بقوانين الطوارئ أو الإرهاب، ورغم أن الانتخابات هناك نزيهة جدا ولا يوجد في البلاد مقدم ولا شيخ، فإن حركة 15 ماي تطالب بالمزيد من الديمقراطية والمزيد من حرية التعبير. . ليس عيبا أن نستفيد من حركة 15 ماي الإسبانية، رغم أنها ولدت بعد 3 أشهر على ميلاد حركة 20 فبراير عندنا، فأحيانا يكون الأخ الأصغر قدوة للأخ الكبير في العناد والإصرار والفاعلية.