وصال الشيخ (*): كانت درجات الحرارة مرتفعة في حيّ العرفان في طنجة والجوّ مشحون، وكان المهاجرون الأفارقة غاضبين يتوزّعون في الأزقّة. وكاد غضب أحدهم أن يطاولنا، عندما طلبنا منه الإذن بتصويره. هو كان يرتب أغراضه، فصاح بنا: "أرجو ألا تصوّروني". ابتعدنا، بعدما تأكد من أن ما من صور له في ذاكرة الكاميرا. هو واحد من مهاجرين كثر أجلتهم السلطات المحلية المغربية من الشقق السكنية التي كانوا يسكنونها بطريقة غير شرعيّة، في طنجة. بعض هؤلاء دفعهم الغضب والخوف، وقد فقدوا صوابهم، إلى الهرب باتجاه غابة أحمّار أو الكنيسة الإسبانية في منطقة إيبيريا. أما أكثر من ألف مهاجر شرعي وغير شرعي من الذين لا يملكون عقد سكن، فقد استقلوا الباصات بأمر من السلطات للانتقال إلى مدن مغربية أخرى. وسط هذه الفوضى، سقط مهاجر (28 عاماً) من ساحل العاج من الطبقة الثالثة من أحد المباني وتوفي لاحقاً. حتى الساعة، لم تظهر نتائج التحقيق بعد. وحادثة الوفاة هذه وقعت في اليوم الأول من عملية الإجلاء في مقاطعة بوخالف التي يعيش فيها معظم المهاجرين، الذين وصل عددهم إلى سبعة آلاف شخص في جميع أنحاء طنجة. يُذكر أن هؤلاء بمعظمهم، يحلمون بامتلاك قوارب مطاطيّة واجتياز البحر إلى إسبانيا. وعملية الإجلاء هذه سبقها بلاغ من وزارة الداخلية تطالب المهاجرين بإخلاء الشقق التي يحتلونها في خلال 24 ساعة. وقد حذّرتهم من استخدام القوة في حال قاوموا، بعدما صدرت تظلمات كثيرة من أهالي الحي المغاربة ضد "الفوضى التي يتسبب فيها المهاجرون، وضد سلوكياتهم الاجتماعية". وأنجزت حملة إجلاء هؤلاء المهاجرين بتعاون ما بين قوات من الشرطة وأخرى من الأمن والحماية المدنية. وقد أخليت سبعون شقة تقريباً من 300 مهاجر، معظمهم من الشباب من جنسيات أفريقية مختلفة. وتعليقاً على ما حصل، يقول رئيس جمعية "فيزا بلا حدود" مامادوا ديالو، إن عملية الإجلاء أتت نتيجة "غياب سياسة الإدماج أو الرغبة فيها". يضيف: "لا نعرف حتى الآن مواصفات مراكز استقبال هؤلاء المهاجرين في الرباط أو الدارالبيضاء. هل هي مطابقة للمعايير وتحترم المهاجرين، أم لا؟". من جهته، يشير باتريك وهو من جمعية "مهاجرون عمال في المغرب" ومقرّها الرباط، إلى أن "ثمّة مهاجرين شرعيّين يملكون أوراقاً رسميّة، إلا أنهم فقدوها، وآخرين غير شرعيين. وهذا ليس جيداً. نحن لسنا هنا لإثارة المشاكل مع المغاربة. نريد العيش معاً". وبعد عمليّة الإخلاء، عبّر عدد كبير من السكان المغاربة عن ارتياحهم. قال أحدهم: "معظم الشقق المحتلة هي لمغاربة مهاجرين. وكل شقة كانت مأهولة من قبل 30 أو 40 مهاجراً أفريقياً. الآن وبعد إخلائها، لا نعرف ماذا نفعل. هي بحالة مزرية". ويشير عبد الوهاب النوري وهو عضو في "جمعية تضامن وحقوق الجوار"، إلى أن "المهمّ هو مرحلة ما بعد العملية. نحتاج إلى من يساعدنا في السنديك بعد رحيل الأفارقة. فمعظم أصحاب البيوت يعيشون في أوروبا". ويتوقع النوري أن تسوء الأوضاع من جديد، في حال عاد المهاجرون بعد انسحاب القوى الأمنية المحلية، لافتاً إلى أنهم "سيعودون مشحونين بالغضب بعد وفاة صديقهم، وبعد حرق حاجياتهم وتلفها". وكان تمركز المهاجرين في حيّ بوخالف قد ولّد مشاكل اجتماعية تفاقمت وتورّطت فيها أطراف عدة، منها المافيات التي تستغلّ أوضاع المهاجرين مادياً وتساهم في تهريبهم إلى أوروبا، وكذلك سماسرة تأجير البيوت. ويقول ديالو إن "هذه العملية جاءت نتيجة تراكمات قديمة. لكن هذه فرصة لنا لمناشدة السلطات المحلية حتى تستخدم الدبلوماسية ذاتها لإيجاد حلول أو سياسات خاصة لتوطين هؤلاء المهاجرين". وعن انعكاسات هذه العملية على علاقة المغرب بالدول الأفريقية التي تلعب دوراً تنموياً فيها حالياً، يقول أستاذ الحقوق في كلية تطوان، عبداللطيف شهبون: "لا أعتقد أن الإجلاء سوف يؤثر على صورة المغرب. هو يتبع سياسة واضحة في الهجرة، ويقوم اليوم بإدماج عدد كبير من هؤلاء المهاجرين ضمن الشروط والمعايير الدولية". تجدر الإشارة إلى أن المغرب كان قد أعلن في سبتمبر/أيلول 2013 عن تسوية الأوضاع القانونية للمهاجرين في البلاد. وبالرغم من أنه ليس بلداً يستقبل المهاجرين، إلا أن هذه المبادرة تدلّ على أنه اقترب من تطبيق بعض القوانين الدولية والاعتراف بحقوق المهاجرين، عبر منحهم بطاقات اللجوء والعمل على أراضيه.