– غزلان اكزناي: يرسل رمضان نفحاته على طنجة، تجوس المكان بوداعة، تسيطر على المدينة دون معركة أو قتال، لتكشف عن قانونها الشرس وهي تستعد له، فترى الناس يتصارعون على كل شيء، بدءا بالمواصلات إلى اقتناء الخبز والتفرغ لشغلهم الشاغل : إعداد "الشهيوات". وقبل سويعات قليلة من حلول هذا الشهر الفضيل، واصل الطنجيون تبادل تهاني قدومه وبعبارتهم "العواشر مبروكة" أو "رمضان كريم"، على نحو يعطي انطباعا أن طنجة في رمضان هي استثناء عن طنجة طوال العام ؟ مرحبة بالشهر الكريم، تتجه بعض الفئات، خاصة البسيطة منها إلى تحسين وتغيير مستواها الغذائي، إما بالاستعداد للشهر مسبقا ببعض المدخرات، أو بالاقتراض مع السداد من الدخل المستقبلي. غير أن تحضيرات الشهر الأبرك كفيلة بزيادة الأسعار بطنجة، واستغلال التجار للعادات والتقاليد المتبعة في البيوت المستهلكة للخضر، والفواكه، والتوابل، والسكريات، والنشويات، وفواكه جافة، وتمر، وعسل، ولحوم، ومكسرات، وعصائر، ومقبلات، ومخللات، ....فصار رمضان شهر العبادات، العنوان الأبرز لتطوير اقتصاد المدينة. تدخل بيتا من بيوت المدينة فتجد حالة الاستنفار، ولفظة "العواشر"على لسان كل ربة بيت، هي استعدادات على قدم وساق تتجلى في التنظيف والكنس والمسح، وربما شراء أثاث جديد ليخيل لك أن رمضان يتجسد على هيأة شخص مبارك سيزور كل بيت على حدة ليتنعم بالأطباق و"الشهيوات" التى حضّرتها الأيادي بالمسبق من : "شباكية" و" تعريقة" و"السفوف" و "المالح"… في المحلات التجارية تظهر طلائع رمضان، والتي تبكّر في صناعة ألبسة تقليدية جاهزة من جلالب وقفاطين وجابادور و بلغات. أما الخياطين فهم ملوك شهرهم بطوابير الأشخاص المتهافتين على خياطة "الجلابة" قبل حلول الشهر الفضيل، لأنهم إن تأخروا في تحضيرها، فنعمة التباهي بأزياءهم طوال رمضان و يوم العيد ستفوتهم حتما. طنجة... تغيرت، أضحى من يعرفها لا يعرفها، وان جاءت سيرتها في حديث، فغالبا ما تأتي عبارة :كانت طنجة.... ! صارت مدينة مرهونة ومدينة الحنين، مرهونة بواقعها الجديد، بحداثتها التي غطى سحابها شمس الماضي عند البعض. إنها البوغاز وقد غيرت أحوالها، وربما اكتسبت برودة ولامبالاة المدن الكبرى، والذين خبروا المدينة وعاشوا ماضيها الجميل، يعرفون أنها مدينة العادات والتقاليد والتآزر بين سكانها في الاستعدادات لأعيادها ومواسمها الدينية، إذ تتجلى في تحضير "الشباكية " و" الخبز" و "السفوف" التي كانت تعرف لمسات ربات البيوت، وإن أُعدت خارج المنازل فهو انتقاص من قيمة المرأة الطنجية، شأن ذاك شأن الملابس التقليدية التي كانت تحاك في المنازل و لا تشترى جاهزة، فضلا عن تخضيب النساء والأطفال يديهم بالحناء ترحيبا بالشهر المبارك. وان اختلف الحاضر عن الماضي في جل المعالم، فان طنجة تظل وفية لمواسمها وأعيادها خصوصا في تقديس وتعظيم شهر رمضان الأبرك، وكل من يتحدث عن "رمضان طنجة" يصاحب كلامه سحرها، سحر غامض يزيدها نورا وبريقا وإشعاعا وروحانية.