يشكل الشباب فئة هامة داخل المجتمعات البشرية نظرا لدوره الأساسي في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتنموية للمجتمعات ,و التاريخ مدون وشاهد على مساهمة الشباب في نضالات عدد من شعوب العالم وحضوره القوي في إحداث منعطفات هامة عبر التاريخ (1968 بفرنسا ,حركة مايو 1919 بالصين ,الثورتين الروسيتين 1905و1917 ,ثورة الطلاب أندنسيا,انطلاق السيرورات الثورية بالمنطقة العربية وشمال ايفريقيا ,,,,) والشبيبة المغربية بدورها ساهمت بقوة في معركة النضال الوطني ضد الاستعمار، واستمرت في نضالاتها لاستكمال مهمة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي مبدعة أشكال وآليات سياسية وتنظيمية رائدة ومتجذرة في مختلف حقول الصراع الطبقي معبرة عن مناهضتها للسياسات المتبعة و دفاعا عن مصالحها المادية والديمقراطية (أوطم , الحركة الماركسية أللينينية المغربية ,الجمعية الوطنية لحملة الشواهد , فبراير,,,)ومفجرة لمعارك تاريخية وبطولية كادت ان تعصف بالنظام في عدد من المناسبات لولا الدعم الامبريالي والرجعي والقمع الوحشي للانتفاضات الشعبية, وأخرها الحراك الشعبي لحركة 20فبرايرالمجيدة والتي لازالت روحها حية ووقعها يرعب ويزعزع النظام ألمخزني , إلا انه رغم هذا المسار النضالي الهام و المليء بالتضحيات والعطاء للشبيبة المغربية ,فانه ظل متقدما إلى حد ما وسط الشبيبة المدرسية ومحدودا وسط المكونات الأخرى للشبيبة المضطهدة خصوصا وسط الشبيبة العمالية وشبيبة القرى والأرياف والإحياء الشعبية ,وهذا ما يعكس عموما ضعف انخراط ومشاركة الشباب في العمل السياسي المنظم وخصوصا وسط اليسار المناضل وانعزال غالبيته عن الصراع العام وارتماء جزء منه في أحضان القوى اليمينية الرجعية .وانطلاقا من موقعنا كشبيبة يسارية مكافحة ,اعتقد انه من الضروري إعادة دراسة ونقاش المعيقات المسببة لهذه الظاهرة، بناء على التحولات المجتمعية للشعب المغربي وتمظهراتها وانعكاساتها على الشباب وفهم عميق لحاجياته ومطالبه للتقدم في بلورة تصورات متقدمة للمسالة الشبيبة في علاقتها التمفصلية بالصراع الطبقي وإيجاد ميكانيزمات ناجعة لكسب الشباب المضطهد للانخراط بوعي سياسي و بقوة في معركة التغيير الجذري ببلادنا .وقبل الاسترسال في الموضوع أود التأكيد والإشارة إلى انه فهمنا للشبيبة ينطلق من المنظور الماركسي باعتبار الشباب فئة غير متجانسة وموجودة في كل الطبقات الاجتماعية ولها مصالح مختلفة ومتناقضة حسب ارتباطها الطبقي ، وعليه فان أغلبية الشباب المغربي مضطهد ومرتبط بالطبقات الشعبية ويشكل نسبة كبيرة وسط هذه الطبقات ،وهو من ابرز ضحايا العولمة الرأسمالية والسياسات النيوليبرالية للتكتل الطبقي والتبعي السائد ببلادنا ،وبمنطق التناقض والتضاد من المفروض أن يكون في صلب معركة التحرر والانعتاق من اجل الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والعيش الكريم بجانب التعبيرات السياسية والاجتماعية للطبقات الشعبية ،إذن هناك كوابح ومعيقات وإختلالات ما ؟ . اعتقد أننا أمام معضلة معقدة ومركبة تتداخل فيها عوامل سوسيوثقافية و سياسية قمعية ممنهجة لاستلاب الشباب وتهميشه وتحييده عن العمل السياسي وكذا سياسة تمييع السياسة وإفسادها وإفراغها من مفهومها الحقيقي ومبتغاها النبيل وكذا بانعكاسات السياسات الطبقية الاقصائية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وعوامل ذاتية متعلقة بواقع وبرامج اليسارالمناضل وبالواقع المعيشي المأزوم للشباب. فبالنسبة لما هو سوسيوثقافي فنجد بنية مجتمعية تقليدية ومحافظة غالبا ما تكون مؤطرة بأنساق سياسية قبلية وعشائرية ودينية ،خصوصا بالبادية المغربية التي تشكل نسبة هامة من النسيج الاجتماعي المغربي التي في اغلبها فئات كادحة وفلاحين فقراء وتشهد ارتفاع مهول لنسبة الأمية ،وهذا ما تجده الطبقات السائدة وتعبيراها السياسية الفاسدة مرتعا سهلا للاستغلال والحشد وتصريف ديماغوجيتها المقيتة .أما فيما يتعلق بالسياسة القمعية فان القمع الهمجي الذي ووجهت به القوى المعارضة للنظام والانتفاضات الشعبية(58 /59 بالريف مارس1965،1981يونيو، 1984يناير، دجنبر1990،حركة 20فبراير...)وما صاحبها من اعتقالات واختطافات وتعذ يبات وإعدامات واغتيالات وقرون من السجون والمؤيدات ونفي المناضلين وغيرها من وسائل زرع الرعب والترهيب ، مما تسبب إلى حد كبير في تشكل قناعة راسخة في الوعي الجمعي للمغاربة عامة وللشباب بشكل خاص بان العمل السياسي بعبعا محفوفا بالمخاطر ويؤدي إلى الإقصاء الكلي من المجتمع ونتائجه ، الموت أو السجن والاختطاف أو النفي .إلى جانب هذا المشهد الرهيب والتنكيل بالمعارضة اعتمد النظام منذ الاستقلال الشكلي منطق شراء الذمم والنخب وتفريخ الأحزاب معتمدا على الأعيان وبقايا عملاء الاستعمار(الأحرار المستقلون،الحركة الشعبية،فديك،التجمع الوطني للأحرار،وصولا إلى البام ...)وكذا تنظيم وإخراج مسرحيات انتخابية متحكم في نتائجها مسبقا عبر التزوير، لتنتج مؤسسات فاقدة لأي شرعية بل هي مجرد مؤسسات للفساد والنهب والزبونية ،وبهذا فقدت الثقة والمصداقية و أصبح العمل السياسي الحزبي في نظر المواطنين وخاصة الشباب مجرد مسرح للانتهازيين وللذين يبحثون عن مصالحهم الشخصية ،ومع توالي هذه المسرحيات أصبح الشعب وخصوصا الشباب يقاطعها بشكل كبيرو بوعي سياسي حسي وغير معني بها نهائيا وما نسب المقاطعة للانتخابات التشريعية والجماعية منذ الاستقلال الشكلي إلى ألان ،وأخرها الارقام التسجيل في اللوائح الانتخابية المزمع تنظيمها هذه السنة، لخير دليل على رفض الشعب للديمقراطية المخزنية المزعومة.إضافة إلى هذا الانحطاط السياسي تنضاف المخططات الطبقية والتصفوية للخدمات الاجتماعية وخصوصا اعتماد سياسة تعليمية طبقية ولا جودة لها والتي تم إفراغها وبشكل ممنهج من أي مضمون تربوي ديمقراطي وتقدمي وتحرري يساعد الشباب على امتلاك أسلحة وأدوات التحليل النقد للأوضاع القائمة، بل أكثر من هذا فمقرراتنا وبرامجنا الدراسية، وباعتراف وزير التعليم الحالي تدرس الخرافات"الخرايف" وتكرس التخلف الجهل وتخرج الآلاف من الشباب المعطل و الجيش الاحتياطي للعمل.دون أن ننسى غياب فضاءات وأنشطة لتشجيع الشباب على الإبداع" والتثقيف ودور الشباب بحيث نجد دار شباب واحدة لأكثر من 35000 شاب منخرط ولا تتعدى %1من الميزانية العامة للدولة والتكلفة التربوية لكل شاب منخرط 6 دراهم في السنة ، والميزانية المخصصة لوزارة الشباب والرياضة الثقافة لا تتجاوز 0.30/ من الميزانية العامة للدولة . اما بالنسبة للعوامل المرتبطة بواقع وذات اليسار المناضل فيمكن تركيزها ،اولا في واقع تشتت اليسار ومحدودية امكانياته وتجليات حرمانه من الاعلام العمومي ومن الاشتغال بالفضاءات العمومية ،ووقع حملات التشويه والتأليب وكذا ضعف ارتباطه بالشباب وخصوصا بالشبيبة العاملة وشبيبة الاحياء الشعبية وشبيبة الأرياف والقرى مما يجعل من الخطاب اليساري خطابا نخبويا ،ثانيا قلة انشطة التاطير السياسي والارتكان الى طرق كلاسيكية للتاطير دون البحث عن أشكال تاطيرية جديدة مرنة ومنفتحة على الاهتمامات العميقة لتطلعات الشباب في مختلف الميادين .ثالثا عدم اعطاءالاهمية الكافية لمطالب الشباب ودعم وتحصين أدوات نضالاته وعدم الثقة أحيانا في إمكانياته . إذن أمام هذا الواقع المأزوم للشبيبة المغربية التي تعاني من شتى أنواع الاضطهاد والاستغلال والاستلاب وفي ظل ارتباطاته الاجتماعية وضعف إمكانياته المادية وغياب فضاءات التربية الملائمة لتفجير طاقاته والتمرس على المسؤولية ،أصبح غالبية الشباب منزوي على مشاكله الخاصة وغير مؤهل بشكل كافي سياسيا وثقافيا للفعل الايجابي وللانخراط في حركية المجتمع ،وفي غياب أية أفاق للخروج من المأزق المجتمعي العام ينحدر في اتجاه اليأس والإحباط وبذالك يصبح فريسة سهلة لقوى اليمين والتطرف ومجالا خصبا لانتشار مختلف الإمراض الاجتماعية. ختاما إننا نحاول الغوص وبحرقة في البحث معيقات ضعف انخراط الشباب في اليسار المناضل ،ليس لهدف انتهازي مقيت ولا انتخابي بل انطلاقا من إيماننا العميق بضرورة انخراط الشباب المغربي المضطهد في معركة التغيير الجذري ،وإننا متفائلين من دروس حركة 20 فبراير ونحاول جاهدين المساهمة إلى جانب الشبيبات الديمقراطية في الإجابة على هذه المعضلة عبر سعينا الجدي لتوحيد وتطوير الديناميات النضالية الشبيبية في مختلف حقول الصراع الطبقي .وتجاوز هذا الوضع الغير الطبيعي للشبيبة المضطهدة والمقموعة، مرتبط بتطور مشروع اليسار المناضل ورص صفوفه ، وبمدى تجذره وسط الشبيبة العمالية وشبيبة الأحياء والقرى والمداشر ليخوض معركة شاملة تجمع بين الأيديولوجي بكل مستوياته والسياسي والنضال الاقتصادي والاجتماعي وكذا بمدى قدرة اليسار المناضل على إبداع آليات وأساليب جديدة للتاطيروالتكوين السياسي على قاعدة الوعي والإدراك للحاجيات والاهتمامات العميقة للشبيبة المغربية المضطهدة وخلق وسائل فعالة للتواصل معها في مختلف القطاعات وعلى جميع الواجهات (الثقافة،الرياضة ،الاعلام،....). * مراد الصابري عضو شبيبة النهج الديمقراطي طنجة