- جمال الصغير: قبل أيام، كان أحد أروقة معرض للكتاب، نُظم على هامش اللقاءات الأدبية التي احتضنتها العاصمة اليونانية أثينا، يعج بمنشورات روائية، في صنف الروايات البوليسية، تحمل أغلفتها اسم الكاتب المغربي، ميلودي الحمدوشي، في إشارة إلى مؤلفها الذي يدم أنه أحد أشهر حاملي لواء هذا النصف من الكتابة الأدبية في شمال إفريقيا. في واحدة من هذه اللقاءات الأدبية، تحدث ميلودي الحمدوشي، بإسهاب كبير عن تجربته الأدبية في عالم الرواية البوليسية، حيث أبرز أن اهتمامه بالأدب البوليسي استفاد من السنوات التي قضاها في أسلاك الشرطة وهو يسعى لحل ألغاز الجرائم، كما تعزز بدراساته الأكاديمية باعتباره أستاذا مختصا في القانون الجنائي وعلم الإجرام. وإذا كان الحمدوشي، لم يفصل كثيرا في الحديث عن هذه السنوات التي قضاها في سلك الأمن (أو ربما تفادى ذلك)، فإن هذا الإسم ليس بغريب عند الكثير من عموم المغاربة، خاصة أولائك الذين عايشوا فترة الحملات الأمنية، التي شنتها السلطات قبل نحو عشرين سنة، في عدة مدن، من بينها طنجة. حيث كان اسم ميلودي الحمدوشي مقترنا بلقب "كولومبو" حاضرا بقوة في أكثر الملفات البوليسية واخطرها على الإطلاق. وقد استمد ميلودي الحمدوشي خلال فترة عمله في طنجة برتبة مفتش شرطة، هذا اللقب الذي أطلقه عليه سكان المدينة، من فرط إعجابهم بإنجازاته في ملاحقة مافيا الفساد والمخدرات، من السلسلة البوليسية الأمريكية "كولمبو"، وهو نفس اللقب الذي كان يحمله بطل هذه السلسلة "بيتر فالك". ظل ميلودي الحمدوشي "كولمبو"، يمشط مدينة طنجة طولا وعرضا، بتحقيقاته وتحرياته، وكانت تنتهي بين الفينة والاخرى، بسقوط أشخاص، طالما أغراهم نفوذهم واموالهم وظنوا أن ذلك يمثل حصانة لهم من أي متابعة في حقهم على مختلف الجرائم التي ارتكبوها تحت مظلة مناصبهم أو علاقاتهم النافذة، لكن "كولمبو" لم يكن يعترف بأي من هذا وذلك، وبالتالي فقد عاش الطنجاويون أياما جميلة وهم يسمعون عن سقوط كبار رموز الفساد و"مافيا" المخدرات في مدينتهم، ما زال الكثير منهم يستعيد بعض تفاصيلها بمزيج من الحنين والاستمتاع. لم تدم فترة وجود "كولمبو" في طنجة طويلا، فسرعان ما صدر قرار من المديرية العامة للامن الوطني، بتنقيله إلى مدينة أخرى، بعد أن بث الكثير من الرعب في صفوف المفسدين وزعماء "المافيا"، الذين تنفسوا الصعداء أخيرا، بعد ان كانوا قاب قوسين أو أدنى من حلول لعنة "كولومبو" عليهم، قبل أن يعود أقرانهم المفسدون من جديد إلى الساحة، بعد أن أمضوا فترة محكوميتهم. انتهت فصول سيرة المفتش "كولمبو، لتبدأ بعد ذلك سيرة الأستاذ الخبير في القانون الجنائي، ميلودي الحمدوشي، الذي خاض كذلك غمار تجربة الكتابة الأدبية، التي أثمرت حوالي عشر روايات من بينها "الحوت الأعمى" التي تحولت إلى شريط تلفزيوني، بالإضافة إلى عدد من الروايات، من ضمنها "الحياة الخاصة" و"مخالب الموت" و"حلم جميل" و"ضحايا الفجر" و"أم طارق" علاوة على عدد من الدراسات والمؤلفات القانونية.