في التسعينات كانت تقوم الحرب والقطيعة بين الجيران، لإخلالهم بمواعيد رمي الأزبال، وغالبا ماكنت توضع فضلات الأزبال بجوار كل بيت، وهكذا كان بإمكان أي شخص يمر بالقرب من محل سكانك، أن يعرف ما أكلت وما شربت، ومما عجل بظهور شركات التفويض العبث ب "ميكات" الأزبال بالشوارع. مع ظهور بدعة شركات التفويض، جلبت معها قمامات بلاستيكية وأخرى حديدية، وقبل ظهور هذه المستوطنات أي القمامات كما قلت، كانت معظم البيوتات تضع فضلاتها في "ميكات" وكان رجل النظافة قبل أن يجمعها، يسبقه إليها مايعرف عندنا ب "الهباج" فيعمد هذا الأخير إلى نبش وإستخراج ما يمكن أن يعيد إستعماله بطريقة وبأخرى، أي إدخاله في الدورة الإقتصادية وهذا ما يعرف بالتدوير أو بالروسيكلاج، كأن يتم إستخدام أو إستعمال أصواف الأكباش بعد عملية النحر في العيد وتحويرها إلى حصير أو إستعمال جلودها في صناعة الأحذية التقليدية مثلا. كثير من الناس يعيش على القمامة، بل هناك من وجد في القمامات أقراط من الذهب ومبالغ مالية ربما سقطت سهوا أثناء عملية جمع النفايات من البيوت، ومثل هذه القصص في البيوت المغربية حدث بها ولاحرج، وفي هذا الباب حكى لي شخص عن فلان أنه طلب من إبنه أن يفتح مؤخرة السيارة ويرمي بالأزبال في القمامة وبدل ذالك رمى بثلاثة ملايين سنتيم في الأزبال. اليوم شدد على "الهباج" بإستعمال قمامات جديدة وذكية، بحيث يتم إفراغ مابها عن طريق ريمونت كنترول، وإنتشرت معها صور لأشخاص وهم معلقون بداخل هذه القمامات، وآخرين محاصرين بداخلها في صورة سجناء بدون أصفاد، ويتم تصويرهم وعرضهم بطريقة غرضها الاستهزاء بهم في حين هم يبحثون أو يقومون بعملية روسيكلاج حلالا طيبا. أصبح من يعيش اليوم على القمامة مهددا ليس في قوت يومه، بل في قوت قوت غيره، الذي تحول ليومه، وما هذه القمامات الجديدة إلا تجسيدا لنوع من اللاتراحم الذي غزا مجتمعنا، في حين كانت قمامات الأمس تجسيدا للتراحم، حتى أن بعض الأسر في الماضي كانت تتعمد رمي الأزبال بطريقة تسمح بإعادة الانتفاع بها. إن شكل القمامات الجديدة تقليد أعمى لنظيراتها في الغرب فهي طبق الأصل مطابقة لها الحذو بالحذو وما قماماتهم إلا تجسيد لمجتمع مادي لا تراحمي تعاقدي وهي نظرية مادية مجسدة في مستوطنات الأزبال.