يا الهي... كم أنا حانق على نفسي يوم تقرر أن أغيب بدهاليز السياسة والصحافة ومتاهاتها الغويطة، يومها عرفت كم أصبحت الحياة قاسية على هذه الأم التي هجرت النوم، وأصبحت تتنسم أخباري، ومن ثم أخبار أخي الصغير الذي انخرط أيضا معي وأصابته لعنة المطاردة. ما عزاها يومها أنها لم تكن الوحيدة. أمهات كثر يتزاورن ويجلسن يتابعن أخبارنا ووالدتي لم تعد تميز فكل رفاقي أنا وأخي، ترسل الأكل وبعض المال. يوم اعتقلتني الصحافة ضربت على عينيها وأصبحت تتردى حالتها، جاءتني إلى طنجة عندما علمت إنني هناك، كانت محملة بكل خيرات بلدنا، حملت معها العدس البلدي والعسل والسمن والزيتون، حضنتها بين الهذيان والبكاء والفرح والجنون ما هذا ياوالدتي، يا أمي يا قاتلتي، من بين دموعها التي تختنق قالت لا بد أنك لا تأكل جيدا، الزيتون وكل هذه الأشياء التي تعرفها، التففنا أنا والأصدقاء الذين بدورهم أرادوا أخراجنا من الجو الذي غطى المكان، الأم سوف تطبخ لنا، لكن؟؟ ماذا؟، ضحكت والدتي وأسرعت تطبخ لنا وتعيدنا لعالم افتقدناه وضيعنا شرف عفويته وبرائته. أمي التي ذهبت منذ خمس سنوات ولم استطع وداعها ولم احمل تابوتها، تزورني وتحيط بي دائما وهي تمسد رأسي وتعيدني لكل الأشياء الحلوة التي ضاعت وتركتنا نلوح بأيدينا على الشواطئ والمطارات بانتظار أفق... هي أمي، امرأة عادية وبسيطة، وأجمل ما فيها أنها طيبة مثل كل الزمن الفقير العفوي الطيب الذي ربطني وطوق عنقي بأسرتي. أسرتي التي تميزت بشيء من العفوية التي أفتقدها وأحن إليها. أمي التي خلقت والإبتسامة على وجهها، حتى دموعها كانت رذاذ نرجس يبتسم، أن يكون لأمي ذكرى هذا حقها علي. أمي، وأي أم هي كي يتذكرها التاريخ، وكم هي درجة اهتمام الآخر بأن أضع أمي وذكراها أمامه وكأنها من مشاهير العصر، إلا انه يتبدى لي الكثير من الجوانب المضيئة والجميلة بأمي، وهي أمي على كل حال ولدتني بحالة ضنك كما تقول، فقد جئت للحياة وقد توفي أخي الأكبر الذي تتحدث عنه أمي وكأنه خارق الذكاء، وتقول لو قدر له الحياة لدخل هو ايضا عالم الصحافة، وتردف عندما تكون غاضبة بأنني "وجه النحس" الذي حل بعد فقدها لأخي البكر الذي تتقول عنه حكايا وقصص وكأنك أمام عبقرية وملهم للرضا والحب والحنان، إلا أنها تردف وقد وجدتني أتبرم من حظي السيئ الذي جاء بي ليخطف ذاك الأخ الذي لم أره ولم يقدر لي ان أعيش بقربه، فتمسح شعري برفق وتقبلني وتقول أنت السعيد والحظ فبقدومك ازدهر عمل والدي وتوسع بيتنا وعمنا الخير. ودعتني في يوم ربيعي جميل ...همست لأختي في أذنيها قائلة...... اخبر سعيد بان لا يدع الكرامة والأخلاق العالية تغادره إلى الأبد....وجدت المتنفس في هذه النصيحة وأجبتها ماما...رحمك الله..... اقل لك أنا اليوم أريد حقا أعيش بكرامة...مو كرامة بخصوص الصحافة أو الإعلام أو السياسة...كرامة بخصوصي أنا كمواطن مغربي أحب بلدي وملكي...ما أحب أتعرض للاهانة من أي شخص صاحب سلطة, بدءا من دكتور بالجامعة و مرورا بشرطي و انتهاءا بضابط أو مسئول... - أريد الحكومة تكون عند حسن ظني كمواطن و ليس العكس... - أريد ما اضطر ادفع رشوة أو إكرامية لأي موظف... - أريد أصير اقدر اشتكي و انتقد و احكي و انتخب بحرية و بفاعلية... - أريد تعليم أفضل، شغل بدون واسطة، اقدر اوفر حق أكل و بيت و سيارة و باقي ضروريات الحياة بدون ما أتغرب، أريد بلد نضيف و قضاء حر مستقل ونزيه. و بناءا عليه...هي ذي مطالبي كمواطن مغربي...لا اكتر و لا اقل...و يلي بيحققلي ياها ...هو يلي بينال صوتي سواءا بالانتخابات أو بالمظاهرات................