روبروتاج زكية زهوان ورجاء الشامي (*): الشغل حلم يقترب من اليوتوبيا في دولة عرضة للأزمات الاقتصادية اللامتناهية مثل المغرب ، و مشكل يثقل كاهل العاطلين والمعطلين من خريجي الجامعات و مؤسسات التكوين المهني وغيرها في بلد ساكنته شابة وغير قادر على استيعاب حتى خمس هذا العدد سنويا. وبالتالي تصبح البطالة العنوان البارز في المجتمع المغربي، و ارتفاع هذه الآفة تحول الى استثمار مربح لبعض مكاتب التشغيل المنتشرة على طول خريطة المغرب ومنها مدينة طنجة التي تحولت إلى مرادف للتلاعب وفرض شروط لا يجد الشاب الغارق في البطالة منذ سنوات سوى القبول بها. فكيف تعمل هذه المواقع والمكاتب؟ وما هو سوق العمل الذي تفتحه أمام طالبي العمل ؟وما علاقتها بالمشغل ؟وهل هناك رقابة حكومية على أعمالها ؟ سيناريو مكاتب التشغيل في مدينة البوغاز، عدد مكاتب التشغيل تزايد وتكاثر مثل الفطر وبطريقة مهولة ،حيث تجد في كل رقعة مكتبا بأسماء مختلفة لكن بطريقة اشتغال واحدة . في مخيلة كل منا صورة نمطية عن مكاتب التشغيل الخاصة وذلك حسب تجارب شخصية مباشرة معها أو من خلال وقائع وقصص تروى هنا وهناك. لم تتوانى غزلان (25سنة _وهي صديقة مقربة لنا_خريجة كلية الاقتصاد)عن البوح بكل تفاصيل وفصول قصتها مع مكاتب التشغيل التي زادت الطين بلة . فبعد سنوات عجاف قضتها لاهثة وراء عمل قار ووحش البطالة يطاردها في كل زاوية، اعتقدت أنه الفرج ما إن عثرت على اعلان للعمل في أحد مواقع التشغيل . فبكلمات سريعة قالت: " تواصلت مع المكتب ودفعت 300 درهم لأحصل على العمل ،و بعد يومين من التكوين في مركز للإتصال بدأت العمل معهم فعلا، إلا أنه بعد مضي أسبوعين كمرحلة تجريبية كان من المفترض أن أوقع العقد لكنهم أخبروني أن نظام العمل تغير وستدفع أجورنا انطلاقا من المبيعات التي سنقوم بها وليس كما قيل لنا أثناء المقابلة وأيام التدريب .أي من الممكن أن نعمل ثمان ساعات في اليوم ولن نتقاضى درهما واحدا إن لم نوفق في أي عملية بيع ..." إن مجمل كلمات غزلان صبت في منحى واحد وهو تعرضها لسرقة حلمها في الحصول على عمل واسترسلت في القول "حتى بعد التفاوض معهم لم يكلفوا أنفسهم سوى قول هذه طبيعة عملنا وأنتم أحرار في إختيار ما إذا كنتم مستعدين لقبول التحدي أو الخروج من العمل مع العلم أن هناك آخرين تنتظرهم أماكنكم". كانت قصة غزلان بمثابة المحفز الرئيسي لبحثنا وشغفنا لكشف كواليس اشتغال مثل هذه المكاتب،إضافة إلى الاعلانات التي تظهر بين الفينة والأخرى على العديد من مواقع التشغيل المعروفة على الصعيد الوطني .قررنا ارسال سيرتنا الذاتية إلى البريد الإلكتروني المرفق للإعلان ،ففاجئتنا السرعة القياسية لردهم على رسالتنا حيث طلبوا منا الحضور لإجراء المقابلة في نفس اليوم.توجهنا صبيحة الاثنين المنصرم إلى مقر المكتب المتواجد في إحدى العمارات المطلة على الشارع الرئيسي للمدينة . وجدنا في استقبالنا آنسة أنيقة ذات ابتسامة خفيفة ، طلبت منا التوجه إلى صالة لتنادي على كل واحدة على حدة لإجراء مقابلة باللغة الفرنسية .كان المكتب عبارة عن شقة متوسطة ،في المدخل صالة وضع فيها مكتبين أحدهما يحتوي على جهاز حاسوب والثاني غارق وسط كومة من الأوراق التي تطوي بين ثناياها أحلام مئات الشباب، وغرفتين إحداهما عبارة عن مكتب والأخرى وضع فيها عدة مقاعد وسبورة .بعد المقابلة أخبرتنا أننا وفقنا في الاختبار لكن علينا العودة مساءا لإجراء مقابلة أخرى مع مسؤول في أحد مراكز الاتصال ليقرر بخصوص عملنا معه، وبعدها سنؤدي واجب الملف الذي يبلغ 500 درهم إضافة إلى صور شمسية ونسخة من بطاقة التعريف الوطنية .انتظرنا بشغف مقابلة المسؤول ذو الأصول الفرنسية الذي أخبرنا في نهاية المقابلة أننا اجتزنا الاختبار بنجاح ويمكننا الالتحاق بالمركز يوم الجمعة، مع تأكيده أنه بعد الدورة التدريبية التي ستستغرق أسبوعا سيجري لنا اختبارا آخر، وآنذاك سيقرر ما إذا كنا سنعمل معه أو لا .وقبل مغادرتنا كان لابد من لقاء المسؤول عن إدارة المكتب والذي كان ينتظرنا بصالة الإستقبال حيث طالبنا بأداء المبلغ بغية الالتحاق بالعمل يوم الجمعة. وعند مناقشة الأمرمعه _من منطلق أن العمل في مركز الاتصال غير مضمون _آنذاك حاول ممارسة ألاعيبه من خلال عدة حجج كان من شأنها إقناعنا بتأدية المبلغ .قبل أن نغلق الباب وراءنا وعدناه بأن نفكر في الأمر والعودة يوم غد. تتعدد المكاتب والعرض واحد لم نتوقف هنا وحاولنا الإتصال بمكتب آخر لا يبعد كثيرا عن الأول .تكرر السيناريو بنفس الطريقة :إعلان في موقع للتشغيل ،رسالة بالبريد الإكتروني ،الرد سريعا بطبيعة الحال . ذهبنا اليوم الموالي لإجراء المقابلة وانتهت بقبولنا وقبول كل المرشحين وطلبوا مستحق الملف الذي فاجأ الجميع لأنه يبلغ 1300 درهم غير قابلة للاسترداد ،مع احتمال تسهيلات في الدفع، أي على طول مدة الدورة التكوينية .و قبل أن نغادر وجدنا شابا في مكتب الاستقبال يحتج لأنه أدى المبلغ ولم يتم قبوله في مركز الاتصال الذي قضى فيه 15 يوما كمتدرب، وكانت الحجة التي ردوا عليه بها أنه لم يستطع مسايرة العمل داخل "البلاطو" وأن العمل في المجال الخاص يقتضي الكفاءة ،ولم يكلف نفسه المسؤول هناك سوى هذه الجملة "tu donnes je donne …tu donnes rien je donne rien ".أما السيدة في مكتب التشغيل اكتفت بالقول نحن نبيعكم "عرض العمل" فقط وعليكم إثبات كفاءتكم هناك.رحل الشاب وترك كلماته النابية وراءه. خرجنا مباشرة وراءالشاب الذي كان يحتج في مكتب التشغيل محاولين تهدأته واستشفاف الأمرمنه ،كان الشاب المسمى وليد نحيفا جدا ولديه نبرة صوت غريبة، أخبرنا بحرقة عن الفخ الذي وقع فيه حسب تعبيره وأن هذا المكتب صاحبته طليقة صاحب المركز وأنها لا زالت على صلة به و تزوره باستمرار"ما يحز في نفسي عدم قدرتي على إثبات أي شيء ضدهما وإلا لكنت قد إلتجأت إلى القضاء لينصفني.ولماذا تم قبولي من الأول إن لم أكن أهلا لهذه المهنة ... لم أرغب في اللجوء إلى "لانابيك" للحصول على عمل لأنها هي الأخرى تمتص دماء الشباب، فحصتها من مرتبهم تصل 2000 درهم شهريا لمدة لا تقل عن السنتين ..دابا صدقت لا ديدي ولا حب الملوك ، البلاد مبقى فيها ميعجب "بهذه العبارات ودعنا ورحل وهو يحرك سبابته لامسا أسفل أذنه ومحذرا إيانا . كانت كلمات وليد مثل الضوء الذي أنار أمامنا مدخل طريق آخر، فأبينا إلا أن نسلكه .شمس خجولة تطل من فوق سحب عروسة الشمال .عروسة أصبح يدهس في موكبها كل من تناثرته رياح البطالة ليقف أمام أبواب الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل، شباب في ريعان العمر يقفون صفا ويتأبطون شواهدهم أمام حواسب "لانابيك" للتسجيل في الموقع الخاص بها،لا أعرف لم إنتابنا شعور لوهلة أن أناملهم تلمس لوحة المفاتيح كأنها الفانوس السحري الذي سيحقق أحلامهم. لم نستطع الوقوف كثيرا بهذه الصالة ،فتوجهنا صوب مكتب الكاتبة التي أعارتنا اهتماما كبيرا وأجابت عن كافة أسئلتنا واستفساراتنا وكيفية التسجيل معهم .وبخصوص العقد وهل "لانابيك " تقتطع نصف أجر الشغيل أخبرتنا أنه علينا أن نحضر نسخ جميع الشواهد المحصل عليها ومسألة العقد سنناقشه لاحقا مع المسؤوليين .عدنا أدراجنا نحو مخرج البناية وجدنا بعض الشباب يتبادلون أطراف الحديث حول العمل ومكاتب التشغيل ،اقتربنا منهم وتشاطرنا معهم بعض الأفكار قبل أن نسألهم حول الاقتطاعات ،فكانت أجوبتهم كلها مسبوقة بكلمة "ان شاء الله " أي الأمل في عمل جيد :"اللهم الاقتطاعات ديال لانابيك ولا نبقى فدارنا ناعس ...عام ولا عمين دايزة وبعدها خدمتي مضمونة ...''. مركز الاتصال ...مهنة المستقبل !!!! أمام التحديات الكبرى التي تواجه بعض مكاتب التشغيل في ربط اتصالات جدية مع مؤسسات وشركات من شأنها توفير عمل قار،لا تجد (المكاتب) سوى باب واحد ووحيد وهو إدماج الراغبين بالعمل في بعض مراكز الإتصال التي لا تحترم نفسها ،وغالبا ماتكون لهاته الأخيرة علاقات مشبوهة مع المكاتب قد تصل حد التواطؤ ضد المشتغلين ،وذلك من خلال استقطاب عدد كبير كل فترة وطلب مبالغ مالية مقابل العمل ليتخلى المركز عنهم بعد ذلك . بالرغم من ضعف المستوى التواصلي باللغة المطلوبة لبعض الأشخاص ،إلا أنه يتم إيهامهم بالحصول على عمل بإحدى هذه المراكز التي سيعلن عن هويتها فور أدائهم لمستحقات التشغيل .وغالبا ما يستغنى عن هؤلاء بعد انتهاء الدورة التكوينية، ليجلبوا أشخاصا جدد ويستغلونهم بنفس الطريقة. أما ذوي الكفاءات العالية فيتم استغلالهم بطريقة أبشع، حيث تمدد المرحلة التجريبية إلى شهرين أو أكثر وفي نهاية المطاف يستغنى عن خدماتهم أيضا دون دفع أجورهم . إن هذا النوع من المراكز المتعاقد معها تبرم عقدا تضمنه ما تشاء من بنود وشروط تسمح بطرد المشتغل وقت ما شاءت ودون تعويضات.وهنا يكمن التلاعب والاستغلال الذي يمارس على الطامحين في العمل من طرف كل من المكتب والمركز .ولا يجد الضحية ما يثبت أن المكتب وعده بعمل ولا عقد يضمن حقوقه. أميمة شابة وزانية تكبدت عناء السفر صباحا حتى طنجة قصد إجراء عدة مقابلات في مكاتب تشغيل مختلفة ، لتتفاجأ بقبولها رغم لغتها الفرنسية الضعيفة ومطالبتها بدفع رسوم باهضة تختلف من مكتب لآخر، لكنها قررت في الأخير العودة إلى مدينتها حاملة حقيبتها الثقيلة و خيبة أمل تجرها وراءها "أنا أبحث عن شغل ولا أستطيع دفع أي ثمن لأحصل على فرصة عمل فقط ،وقد طلبت منهم أن يقتطعوا ذلك من أول راتب لكنهم رفضوا، وبدوري أرفض أن يتم استفزازي واستغلالي بهذه الطريقة." في ظل الاتهامات الكثيرة التي تستهدف بعض مكاتب التشغيل الخاصة وشن هجوم عليها سألنا مسؤولا بأحدها، والذي رفض الإدلاء بأي تصريح لكن بعد إصرارنا قال "نحن هنا نعمل قصارى جهدنا لتوفير الفرص لكل متقدم بعد دفع الرسوم المحددة، ونسعى بكل الوسائل لارضائه ،لكن هناك من يعتقد أننا من سيدمجه في سوق الشغل، متجاهلا أننا نوفر فرصة العمل فقط". ممنوع التقاضي من طالبي الشغل إن استنزاف طالبي الشغل واستغلال ظروفهم الاجتماعية ، تعد من الأسباب الجوهرية التي سجلت وتسجل تجاوزات خارقة من طرف مكاتب التشغيل التي يتم توقيفها بموجب إتفاقية رقم 181 والتي صادق عليها المغرب بعد صدورها عن منظمة العمل الدولية والمتعلقة بوكالات التشغيل الخصوصية.وقد ترجمت هذه الإتفاقية في نصوص مدونة الشغل التي رخصت لإنعاش التشغيل من طرف الوسطاء الخواص تحت شروط معقولة لا تنهجها معظم المكاتب القابعة في شوارع طنجة والتي تتلاعب بأحلام الباحثين عن عمل مقابل شروط غير قانونية البتة . يجب للوهلة الأولى على من يريد أن ينشئ وكالة تشغيل خصوصية أن يضع كفالة مالية لدى صندوق الإيداع لأنه في حالة إعسار وكالة التشغيل الخصوصية أو عند سحب الترخيص منها دون الوفاء بالتزاماتها إزاء أجرائها يمكن للمحكمة أن تأمر باستعمال مبلغ الكفالة لأداء ما ترتب في ذمتها من مستحقات سواء لفائدة الأجراء أو للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ولكن للأسف هناك مكاتب للتشغيل لا تملك حتى إذن ممارسة هذه الخدمات وبالتالي تشتغل في الخفاء بشروط تراها ملائمة لمصلحتها الخاصة بعيدا عن وزارة الشغل. وما يهمنا من بين المبادئ العديدة والمتعددة التي أقرتها مدونة الشغل في بنودها هي مجانية الخدمات المقدمة للباحثين عن عمل وذلك بنصه في المادة 480 على أنه ''يمنع على وكالات التشغيل الخصوصية أن تتقاضى من طالبي الشغل بصورة مباشرة أو غير مباشرة جزئيا أو كليا أية أتعاب أو مصاريف.'' في بحثنا عن الحلول الناجعة التي من شأنها التخفيف من طفرة أزمة الشغل التي تخنق الشباب هذه الأيام ،وجدنا بعض الإجابات عند الخبير في الشؤون الاقتصادية الدكتور رشيد بوتي (الأستاذ بجامعة العلوم القانونية والاقتصادية ابن زهر) والذي يرى أن الشباب يشكل حاليا أغلبية سكان العالم وأن البطالة مشكل في حد ذاته ومع ذلك فإن الحلول المتعددة من طرف السياسيين لا تعمل إلا إذا تم وضع -على الأقل- هؤلاء الشباب تحت راية أو طائلة "البطالة المُقْنَعَة" .ويمكن أن يأتي جزء كبير من الحل في تنمية ثقافة ريادة الأعمال وإنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة .وأكد أنه" يجب أن تكون الأهداف من التنمية المستدامة هو الإلتزام الكامل لتعزيز توظيف الشباب وريادة أعمالهم، كما أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تلعب دورا هاما في القضاء على الفقر وتحقيق النمو في البلدان النامية، ومثل هذه المشاريع تساهم أيضا في التوزيع العادل للدخل وتنشيط القدرة التنافسية وإستعاب التغيرات التكنولوجية".