كثر الحديث مؤخرا عن المهرجانات الصاخبة، التي تنظم بين الفينة و الأخرى و التي تخصص لها ميزانية ضخمة. في بلد ينخره الفساد و اقتصاد الريع الشيء الذي جعل البلد يعيش على حافة الفقر أو تحت عتبته و ما يسترعي الانتباه أكثر هو تلك الميزانية التي تقام بها هذه المهرجانات. بين من يرى أن هذه النغمات متنفس لكافة شرائح الشعب المغربي كما يرى منظموها، و بين من يرى أنها مضيعة للوقت و المال العام يلمح صوت آخر ليقول أن هذه المهرجانات ليست إلا وسيلة لإلهاء أبناء الشعب عن همومهم و مشاكلهم اليومية. و عادة ما تنظم هذه المهرجانات في أوقات حساسة جدا كأيام الاستعداد للامتحانات سواء المتعلقة بالتعليم الثانوي أو الجامعي، أو كأيام الصيف التي يجتمع فيها الأهل و الأحباب، فيجتمع المغترب مع الغريب في وطنه لكي يتحدثوا عن مشاكل الوطن و البلاد، لكن المهرجانات لا تترك الفرصة لهذا النقاش أن يقام. و ما يزيد الطين بلة هو الوقت المخصص لهذه المهرجانات و ما يصاحبه من خدش و استفزاز لمشاعر شعبنا الذي تأطره قيم محافظة و الذي تقوده حكومة ملتحية... الرزق عند الله...و ميزانية موازين؟ هكذا تحدث رئيس الحكومة "الرزق عند الله"، هذا هو الجواب الذي يكفي لسد خصاص البطالة، لكن هل يا ترى سيشفي غليل فناني موازين؟ تصوروا معي العدد الهائل من الفنانين العالميين الذين مروا فوق الخشبة، وغالبيتهم ممن لن يرضى بدون مئات الملايين فما فوق...هل تكفيهم "الرزق عند الله" لجعلهم يشكرون المغرب و يقولون : "المغرب روضة من رياض الجنة"؟ فنانون من أنحاء العالم...و فنانون منسيون شخصيا، أحترم جميع الأذواق، لكل نمط خاص و ذوق غنائي مميز...لكن هذا لا يعني أن نتناسى الفنان المغربي و الفن المغربي بصفة عامة، الشعبي منه و الأمازيغي و نستقدم فنانين من انحاء العالم و نعاملهم معاملة لا نعامل بها المغربي...إن من قال أن "مطرب الحي لا يطرب" لا يعدو أن يكون ممن يسبحون ضد التيار. الأولى احترام الذوق المغربي و تقديمه و الاحتفاء به، لا أن نجعله في الساعات الأخيرة من الليل –هذا إن خصصنا له وقتا- فلمن سيطرب؟ و من سيعرفه؟ لن يعرفه إلا من اختمر عقله و لم يجد فرصة للنوم و قرر مجاراة الليل. عيب و عار أن نتناسى فنانينا، من سيعرفهم إن لم نعطهم الفرصة للظهور أمام مرآى العالم و في مهرجان عالمي كما يحلو لمنظميه تسميته. عجبا لمنظمي هذه المهرجانات، ليس فقط موازين وحدها، بل كل المهرجانات على أشكالها تحدو...يكرمون الغريب و يذلون أهلها، نعم ستتعالى أصوات و تقول ان الموسيقى ليس لها حدود، بالطبع ليس لها حدود لكن أن تحيط بحدود اهلها قبل ان تستجلب شخصيات و فنانين عالميين لن تكفيهم ميزانية "أولعلو" كما يقول المغاربة. في الختام إن هذه الميزانيات التي تخصص لهذه المهرجانات لو صرفت في تجهيز المناطق النائية لكان أفضل، لأن أثرها سيظل خالدا في أذهان السكان الذين سيستفيدون منها في حين أن الفنانين العالميين سيتقاضون ملايين عرق جبين هذه الأرض و يتناسون المغرب الجميل بمجرد تحليق طائرتهم.