وجدت سؤال وجيها جدا تطرحه الأستاذة الليبية انتصار حسين على صفحتها في الفيسبوك , وهو : من هو المتسلق؟ بالطبع تعددت الإجابات , بعضها فيه وصف , والآخر فيه ذكر لأشخاص , والبعض فيه خلط بين ثلاث أنواع من الصفات , هنالك خلط بين المتسلق , والمتطفل , والمحايد , هذا يعيدنا لمشكلة تحديد معنى المصطلح في الفكر العربي , فالمصطلحات ليس لها معنى موحد وثابت لدينا , مما يسبب مشكلة في فهم الآخرين والتواصل معهم . وسأحاول وضع تعريف مبسط . نبدأ بالمحايد وقد لا نختلف على تعريفة , فهو الشخص الذي يقف بعيدا عن الأحداث , فلا هو مع هؤلاء ولا هؤلاء , ليس إلى اليمين ولا إلى اليسار , بل وليس في الوسط , هو فقط بعيد عن موقع الحدث , ويشعر أو يظن بان رأيه لا أثر له في الحدث , فيريح نفسه فلا يفكر ولا يتخذ رأيا , وهؤلاء من يسميهم عالم السياسة , الكتلة النائمة أو الأغلبية الصامتة , لا يهتم هل فاز زيد أم عمرو , ومثال على ذلك وأقرب مثال لفهم فكر هؤلاء كمن لا يهوى كره القدم , تجده لا يهتم إن فاز الفريق الفلاني أو الآخر , ولو فازت سيرلانكا على البرازيل أو منغوليا على برشلونة لما حركت فيه شعره , أما بالنسبة للمتسلق والمتطفل ولأني أهوى الزراعة , فاستطيع تعريف النبات المتطفل والنبات المتسلق . فالنبات المتطفل , هو النبات الذي لا يصنع غذائه بنفسه , بل يعتدي على نبات آخر , يمتص الغذاء الذي يصنعه النبات الأخر لنفسه , وكثيرا ما تنتهي حياة النبات الآخر بسبب النبات المتطفل , أو يضعف بشدة ولا يستطيع النمو , وأقرب مثال لنا , نجده في الكثير من الحكام العرب , تجدهم يمتصون خيرات أوطانهم بمختلف الطرق , بالفساد والسرقة والرشاوى والإتاوات وسوء الإدارة وعشوائية القرارات , تجد ثرواتهم متضخمة وبلدانهم فقيرة , عاجزة , خيرات البلد في جيوبهم وبطونهم , يتطفلون عليه ويمتصون غذاءه , وأي شجرة أو وطن يصاب بمثل هذه الكائنات المتطفلة , سيضعف ويموت إن لم يتخلص منها . بقي لدينا تعريف المتسلق , في عالم النبات , نجد النبات المتسلق لا يقوى على الوقوف والوصول لأشعة الشمس , إلا بالاعتماد على وسيلة أخرى خارجية , شجرة أو سور أو غيرها مثل أعمدة ومحطات الكهرباء , ينافس الشجرة الأخرى على أشعة الشمس , ويحجب عنها الضوء , ويتسبب في ضعفها , وفي بعض الحالات يقتلها , ومثل هذه النوعية من الناس نجدها في كل مكان , في الجامعات والشركات والدوائر الحكومية , أناس يسرقون جهد الآخرين ويستولون عليه لكي يظهروا تحت الشمس , لا يمكنهم الوقوف بأنفسهم , فليسوا منتجين أو مكافحين , بل هم يعتمدون على إنتاج الآخرين ويستغلونهم للبروز للضوء , وهؤلاء أيضا كثر . أقول إننا قد نراهم في الجامعات , من أكاديميين يسرقون أبحاث طلابهم وطالباتهم وينسبونها لأنفسهم , مدراء إدارات ينسبون كل نجاح لإداراتهم لأنفسهم متناسين دور موظفيهم , مهندسون في مصانع ينسبون كل فكره وتطوير لهم بينما هو للعاملين معهم , والكثير الكثير من الأمثلة , نراها يوميا في حياتنا اليومية . يستغلون جهد الآخرين للصعود إلى القمة , لا يعتمدون على أنفسهم للنهوض , وهكذا بعد إن عرفنا من هو المتسلق , والمتطفل والمحايد , هل نستطيع أن نحدد في مجتمعاتنا من هم ؟ في ليبيا الحبيبية , هذا يكاد يكون الهاجس اليومي , هاجس التسلق والمتسلقين , يتهم فيه أناس يستحقون الاتهام , ويتهم به آخرين هم أبرياء منه , يتهم بعض من شارك بالثورة من بدايتها بالتسلق , بل ووصل البعض إلى اتهام بعض كبار من شارك بالثورة من أول يوم وبعض قادتها وبأنهم تعاملوا مع النظام السابق , ويستغلون صورا وتسجيلات وأخبار قديمة للدلالة على ذلك , ولأن الثورة تجب ما قبلها , كما يجب الإسلام ما قبله , فهل يجوز لنا أن نتهم الصحابة رضوان الله عنهم بالكفر , لأنهم كانوا قبل الإسلام كفارا ؟ هل نتهم عمرا أو خالدا أو عمرو بن العاص بأنهم كانوا كفار , ونعتبرها سبة وعيبا فيهم ؟ إن جاز هذا جاز ذاك . المتسلق هو الشخص الذي لم يساهم في الثورة , ولم يقف معها مع قدرته على ذلك , ثم يحاول أن يصعد على أكتاف الثوار لينسبها لنفسه , أو لينسب لنفسه دورا فيها لم يكن له ولم يقم به , وذلك بغرض الحصول على فوائد لنفسه , هذا هو المتسلق. أما الثوار الذين وقفوا ضد النظام السابق , وجاهدوا بالسلاح أو العمل أو الفكر أو السياسة , فهؤلاء ليسوا بمتسلقين , حتى وإن اختلفنا معهم في بعض أساليبهم , أو أرائهم . فلا يجوز اتهامهم , ولا محاربتهم . بالطبع نستطيع بيان خطأ رأيهم وأساليبهم ونقدهم , ولكن يحق ولا يجوز اتهامهم بالتسلق أو التطفل , فهؤلاء لهم دور , صغر هذا الدور أو كبر . كما رفضت الثورة احتكار الصواب والوطنية في الحاكم وزمرته , يجب علي الثورة رفض أي احتكار للصواب أو الوطنية من أي فرد آخر , وكما حاربت الظلم والفساد في العهود السابقة , فيجب أن تحارب الظلم والفساد في عهد الثورة , يجب أن تشرق نور الحرية للجميع , وعلى الجميع , فأن لم يكن هذا فلا فائدة من الثورة , فهي للجميع وليست لفئة محدودة . وعلى دروب الحرية والكرامة نلتقي