سينكب شباب الحزب الاشتراكي الموحد، الملتف في حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية، على البحث عن الاليات و الصيغ النضالية لتأهيل حشد التقدمية للمساهمة في التغيير . لكن أي تغيير ننشد؟ وبأية وسائل؟ فإذا كان الشعار المعتمد في المؤتمر الوطني السادس المستلهم من كفاحية حركة 20 فبراير المجيد، يعكس الإصرار الشبيبي على التغيير، كسلوك سياسي أصيل نسعى إلى المساهمة في تنظيمه وتوجيهه، فإن الحاجة اليوم ملحة، في سياق الانعطاف السلفي، لتوضيح أي تغيير نريد؟ وبأية وسائل؟ بدابة، يجب التأكيد على أن ما يميز الحزب الاشتراكي الموحد، الذي ترتبط به حشدت فكريا و سياسيا ، هو الوضوح السياسي في حقل سياسي دأب على الضبابية الفكرية و الخلط السياسي استداعاء للمقولة الشعبية، بخلفيات تميعية، أولاد عبد الواحد كلهم واحد . وفي العلاقة بموضوع التغيير ، يلاحظ أن الكلمة السحرية يشترك في ترديدها اليميني و اليساري، المخزني والديمقراطي، الاسلاموي و العلماني أو بتحديد أدق أنصار العقلانية أو الدولة المدنية بحسب الاعتبارات السياسية و الخلفيات الفكرية المهيكلة للنقاش. و الحقيقة أن ميوعة التغيير مرتبطة بدرجة أساسية بهذا الاستعمال الجماعي دون التمييز، إعلاميا على الأقل، في طبيعة ومنسوب ووسائل التغيير المنشوذ. فإذا كان، مثلا، الاسلاموي يستدعي كلمة التغيير، بمعناه الفضفاض، فإنه يحيل إلى التغيير إلى الماضي؛ كمشروع يعمل بإخلاص و إيمان على إحيائه في الحاضر و المستقبل. إنه يثمثل لنوذج ماضوي للدولة الاسلامية ، التي تملأ الدنيا عدلا، في قراءة انتقائية ومغلوطة للتاريخ تنفي كل انحراف بشري محتمل على شخصيات مقدسة اكتسبت صكوك عبورها نحو الجنة: نشير، هنا، إلى دولى الخلافة . والواقع أن الصراع، الذي خاضه الحزب الاشتراكي الموحد، في سياق السجال الذي رافق حراك 20 فبراير، أظهر عدم جدية التنظيمات الأصولية في استيعاب القواعد الدنيا المشتركة للعمل السياسي: حقوق الانسان بمضمونها الكوني، الديمقراطية بخلفياتها الفلسفية...الخ. كما فضحت الدينامية النضالية لحراكة 20 فبراير وما رافقها من سجال سياسي و إعلامي أنصار جماعة العدل و الاحسان في التعبير عن حقيقة مشروعهم الديني، بعدما نجحوا في إخفائه لفك الحصار الذي حشروا فيه أنفسهم بعد أن زعموا ملكيتهم للحقيقة الواحدة. إذن، فالحركة الاسلاموية تسعى إلى التغيير لاستعادة النموذج الماضوي المنفلت عن التاريخ والواقع. ولكن بأية وسائل؟ إذا كانت التنظيمات الاسلاموية، في صيغتها المغربية، قد أعلنت التزامها بالعمل السلمي، فإن التجارب المقارنة، في دول إقليمية، تشير إلى تبني التنظيمات الأصولية للعنف المقدس بصيغة الجهاد بما فيها توريط الأوطان في التدخلات الأجنبية/ الاستعمارية. ف العدل والاحسان ، مثلا، كانت في واصل مستمر مع السفارة الأمريكية ومراكز القرار عبر زيارات مسئوليها إلى الدولة المتورطة في التدخل الأجنبي في الكثير من بلدان العالم. ومقابل ذلك، فإن المخزن لا يفوت الفرصة لتمييع دلالات كل التعبيرات، التي من شأن استدماجها، هدم الأساس الذي يقيم عليه استبداده وقهره. فباستحضار أولي لمدلولات التغيير في القنوات الاعلامية الرسمية، فإنه تحيل إلى الاصلاحات الجزئية و الهامشية التي ينجزها النظام لترميم بعض عناصره المتهالكة في محاولة لتجديدها وبعث الروح فيها بقالب جديد. كما أن التغيير قد يحيل إلى الأنشطة الاحسانية اجتماعيا التي يشرف عليها النظام عبر مؤسساته المختلفة. ويعتمد النظام، منذ انطلاق المسلسل الديمقراطي ، على التحكم في التغيير البطيء و المتدبدب عبر إصلاحات هامشية وجزئية لا تنتظم في مسلسل جدي وحقيقي يراكم الاصلاحات الحقيقية بما يؤسس للتغيير الديمقراطي. فالنظام، إذن، يقود عملية تغيير ، ولكن هذا التغيير بطيء جدا لا يواكب الدينامية السريعة لتطلع وحاجة الشعب المغربي للديمقراطية، كما أن هذا التغيير، دائما بصيغته المخزنية، لا يراكم إلا التأخر والتخلف الحضاريين للمغرب. وهو ما يعني، بالنتيجة، أن التغيير هي عملية غيرخطية تتناوب فيها لحظات محدودة بانتكاسات بنيوية تجعل من إيقاع ومسار التغيير متدبدب، بل يميل إلى إعادة التأكيد على جوهر البنية الاستبدادية للنظام القائم. طبعا، لايتورع النظام في توظيف كل الوسائل غير المشروعة في الدفاع عن نظامه، كما أنه يلجأ الى استعمال كل أشكال العنف و القهر للقضاء على أشكال التغيير الأخرى، وخاصة التعبيرات التي تنشذ التغيير الديمقراطي الحقيقي. من المهم الاشارة، في بداية الحديث عن مشروعنا، إلى الالتقاء التاريخي في حالتنا- كنموذج للدول التي فشلت في تحقيق ثورتها الوطنية، بين التغيير بمضمونه الليبرالي و التغيير بمضمونه الاشتراكي كلحظة مؤسسة لانتقالنا نحو التغيير الذي ننشذه: النظام الاشتراكي. يبدو أن عددا من التجارب التاريخية، جنحت إلى التغيير/ التجاوز نحو الاشتراكية ، من دون استيعاب المكتسبات الليبرالية، فانتهت تلك التجارب سجونا للقهر و الاستبداد تلبس أفقا نبيلا يرتدي شكلا قيم العدالة الاجتماعية والكرامة....الخ. إن قوى اليسار اليوم، ومنها حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية، مطالبة بالنضال من أجل التغيير الديمقراطي؛ الذي يجعل الشعب المصدر الأسمى للسلطة في لقاء تاريخي بين شرعيات مختلفة تتوافق على احترام الشرعية الشعبية، كما عبر عنها، مثلا، الحزب الاشتراكي الموحد ب الملكية البرلمانية . إن التغيير الديمقراطي القائم على الانتقال من وضع دولة الفساد و الاستبداد إلى وضع جديد قائم على دولة فصل السلط والانتخاب الحر و النزيه للمسئوليات و احترام الحريات الفردية و الجماعية في إطار نظام الدولة المدنية المنفلت عن تحكم سلطة العسكر وتسلط رجال الدين. إن التغيير الديمقراطي المنشوذ لن يتحقق إلا بإصلاحات جذرية وجوهرية، إصلاحات بمضمون سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي تراكم لانتقال ديمقراطي حقيقي يعجل بانتقال المغرب إلى نادي الدول الديقمراطية. ماهي مضامين وتفاصيل التغيير الديمقراطي الذي يعني حشدت؟ وبأية وسائل؟ قد يشكل المؤتمر لحظة نقاش للسؤال/ المهمة. من المهم تمييز أفقنا عن أفق الخصم، الذي يعاند التغيير الديمقراطي أو يسعى إلى تحريف طريقه إلى الماضي.