استبد خطاب الأزمة بعقول قطاع واسع من النخبة السياسية في سياق تشريحها لوضع الذات الحزبية و لملحقاتها القطاعية، كما أن خطاب الأزمة كان وصفة نموذجية للتغطية على حالة العجز في إبداع الصيغ المناسبة لإعادة تأسيس تنظيماتنا بشكل يتجاوز الأزمة القائمة. إن جوهر الأزمة/المفارقة في شبيبتنا الديمقراطية، هي: جمود تنظيمي، مقابل حيوية الشباب، وآنية الديمقراطية كمطلب شعبي ملح . و رغم الانحباس التنظيمي لحركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية، فإنها حاولت استجماع قوتها للمساهمة، إلى جانب كل القوى الديمقراطية و التقدمية، في الحراك الاجتماعي و السياسي الذي قادته حركة 20 فبراير، مما ساهم في ضخ دماء جديدة في شرايين حشدت بالتحاق الشباب و تأسيس فروع جديدة منفلتة من حالة التقاطب القائمة و متحررة، في الآن نفسه، من صراع أرهق المنظمة من أجل تلبية نزعة فردانية مستمرة للقيادة. 1- مفارقات.. حشد التقدمية جسد بلاروح. تأسست حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية، شبيبة الحزب الاشتراكي الموحد، في أواسط ثمانينات القرن المنصرم، كاستجابة موضوعية لحاجيات الشباب التقدمي في صياغة مواقفه و مطالبه النوعية في صلب حاجيات و مطالب القوى الديمقراطية و التقدمية؛ التي قادت النضال من أجل الديمقراطية في تلك المرحلة الممهورة بتنامي النضالات الجماهيرية و الانتفاضات الشعبية ضد الاستبداد القائم. فميلاد حشد التقدمية، إذن، لم يكن مرهونا بخلفية إشباع حاجة الشباب للقيادة و تمرينه على المسئوليات السياسية و التنظيمية، بل تحكم في ميلاد التأسيس الدفاع على متطلبات و قضايا الشباب، و المساهمة، كرافد مبادر و محفز، في النضال الديمقراطي العام. و إذا كان نضال الشبيبة المغربية، في كل الحقول الجماهيرية، قد تراجع بفعل عوامل مرتبطة بالقمع المادي و النفسي و الثقافي الذي سلط على هذه الفئة عقابا لها على قيادتها لنضالات جذرية في الحركة التلاميذية و الطلابية، فإن هذه الشبيبة استعادت المبادرة لتفجير و إبداع أشكال نضالية غير مسبوقة في تاريخ الحركات الاجتماعية بالمغرب: يتعلق الأمر، إذن، بحركة 20 فبراير المجيدة. إن المتابع للحركات الاجتماعية سينتبه، في سياق التحليل العام، إلى أن ميلاد الحركة الفبرارية كان وليد مناخ اقليمي مرتبط برياح انتفاضة الشعوب على أنظمة القهر و الاستبداد. كما أنه لا يمكن أن نغفل أن الحراك السياسي و الاجتماعي، في نسخته المغربية، الذي فجرته القوى الشبابية، المنحدرة من تيارات ديمقراطية و تقدمية، يعد تقليدا أصيلا للشبيبة المتعلمة في الثورة على الظلم الاجتماعي و الاستبداد السياسي و القهر الثقافي. بيد أن هذه الدينامية الشبيبة المتدفقة يقابلها جمود تنظيمي وسياسي للتنظيمات الشبابية المفترض فيها قيادة الشباب و صياغة مطالبهم و الترافع عنها. و من المهم الاشارة إلى أن هذه الملاحظة لا تنسحب على شبيبات التنظيمات الأصولية بالنظر لطبيعتها الايديولوجية و التنظيمية القائمة على الانضباط للشيخ أو ولي الأمر. و على الرغم من آنية المطالب الديمقراطية، في كل مفاصلها السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، التي تثمتلها الشبيبة المتعلمة كخلفية فكرية لها أو تحملها كأفقا للتغيير، و على الرغم، أيضا، من حيوية و نشاط الشباب في الحركة و التنظيم و الابداع، فإن التنظيمات الشبيبية الديمقراطية، المفترض فيها كحامل لمطلب التغيير وحضن للابداع، تعاني من أزمة جمود تنظيمي قاتل: شلل في المبادرة، ضعف ثقافة –التمرد- و الرفض، مطاوعة آلة التحكم عن بعد و عدم مقاومة مصادر التوجيه التي تجعل من الشباب وقودا في الصراعات و الاصطفافات الحزبية...الخ. إن جوهر المفارقة في شبيباتنا الديمقراطية، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، هي: جمود تنظيمي للشبيبات، مقابل حيوية الشباب، و راهنية المطلب الديمقراطي. فمن المسئول عن المفارقة كوجه للأزمة؟ 2- أزمة حشدت..وصفة للتغطية عن العجز. استبد خطاب الأزمة بعقول قطاع واسع من النخبة السياسية في سياق تشريحها لوضع الذات الحزبية، كما أن خطاب الأزمة كان وصفة نموذجية للتغطية على حالة العجز في إبداع الصيغ المناسبة لتحقيق الديمقراطية. و لم تنفلت التنظيمات الشبابية عن خطاطة الأزمة، بل أنها اجتهدت في إعادة إنتاجها. و تحولت هذه التنظيمات من معمل لصناعة قيم التغيير و الديمقراطية إلى فضاء لإعادة إنتاج الأزمة بكل مشتقاتها. بيد أن الحراك الاجتماعي و السياسي، الذي فجرته الشبيبة المتعلمة، فضح الذرائع غير الموضوعية التي كان تؤثت الخطاب التبريري لأزمة شبيبتنا، و كشف، بالمقابل، عن طبيعة الأسباب المسئولة عن ذلك: نقصد، هنا، الأسباب الذاتية التي توفق شباب الربيع الديمقراطي في تجاوزها بذكاء. إن درس حركة 20 فبراير، بامتدادها المناطقي و توسعها الاجتماعي و الفئوي، يسائل بقوة انكماش تنظيمنا الشبيبي في سياق تنامي المد النضالي الجماهيري. كما أنه يسائل، أيضا، كل من يتحمل المسئولية في تأزيم حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية كامتداد لصراع سابق استنفذ مبررات استمراره في الزمن السياسي ل20 فبراير. قد تشكل الأزمة، في مستواها العام، لحظة تعبير مكشوف عن فشلنا الجماعي في تدبير الرهانات الفردية، المسكونة بنزعة قيادوية، و صهرها في المجرى العام لنضالنا الجماعي في تحقيق الديمقراطية. إن تجاوز الأزمة المستحكمة، التي كانت مفتعلة في بدايتها، يقتضي استيعاب روح حركة 20 فبراير في التضحية و المبادرة والعمل الدؤوب في الميدان و هجر الحلقية و الابتعاد عن الاصطفاف وراء الأفراد. يبدو، في تقديري، أننا في حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية، في ظل مغرب 20 فبراير، غير ملزمين بحالة الاحتراب و التي انتعشت في المرحلة السابقة، لأنها لم تنتج إلا جسدا شبيبيا بلا روح شبابية. إن أحد أهم المداخل الممكنة لتجاوز الأزمة المفتعلة هو فتح نقاش مسموع منفلت من حرارة الهواثف: إنها دعوة للتفكير بصوت عال حول واقع شبيبتنا. 3- لنفكر بصوت عال.. نهاية النفق. ما الذي يجعل حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية تبدو عاجزة وضعيفة ؟ من المهم الاشارة إلى أن طرح هذا السؤال، الذي قد يبدو ذو طبيعة اتهامية، يندرج في سياق النقاش العام حول وضعية أحد أهم المكونات الشبيبية الديمقراطية و التقدمية، كما أنه يندرج، أيضا، في سياق التفكير المنشغل، بشكل علني، باستحقاق المؤتمر السادس لحشدت. إن أهم مدخل لتجاوز ما هو قائم و التفكير في ما يجب أن يكون هو، أولا، فتح نقاش هادئ حول الأزمة بما يساعد على تسليط الضوء على الجوانب المسكوت عنها في نقاشنا. وثانيا، إشراك جميع المناضلين و المناضلات، وعموم الشباب الديمقراطي، في تدارس واقع حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية بما يؤسس للخروج من نفق الأزمة. سأحاول، بشكل مركز، إثارة بعض القضايا/ المفارقات التي تسم تنظيمنا، وهي: 1 - من مفارقات حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية، التي كشفت عنها دينامية 20 فبراير، جمود التنظيم و نشاط وحركة شبابه و شباته. حيث يساهم الرفاق و الرفيقات في عدة تنظيمات ذات صلة بانشغالات الشباب، كما أنهم ساهموا في ولادة حركة 20 فبراير و يساهمون في الدفاع عن مطالبها الديمقراطية، غير أن الوضع التنظيمي لحشد التقدمية ظل ظعيفا و لم يكن مواكبا، بالشكل المطلوب، للوضع العام المتسم باتساع و عمق النضالات الجماهيرية ذات الأفق الديمقراطي. فهل يتعلق الأمر بضعف -قيادة- الشبيبة ؟ من الناحية السياسية، فإن قيادة حشد التقدمية، المكتب الوطني و اللجنة المركزية، تتحمل مسئوليتها في حالة الوهن الذي يخترق المنظمة؛ التي أصبحت جسدا بلا روح. لكن هذه المسئولية تبقى شكلية وغير ذات معنى بالقياس إلى المسئولية النضالية، التي تجعل الجميع، قيادة وقواعد، يتحمل مسئولية ما ألم بشبيبتنا. إن المسئولية النضالية، التي حملها المؤتمر الخامس لأعضاء الأجهزة الوطنية، كان يفترض، في تقديري ، تأجيل أي تناقضات ثانوية، بصرف النظر عن التفاوتات في التقدير، و الانخراط الجماعي في معركة إعادة بناء و تقوية هذه المنظمة الشبيبية. و بهذا المعنى، فإن التهرب من المسئولية، تحث أي طائل، كان له تأثير سلبي على المنظمة. و فاقم سلوك - إما أنا ولا ملاعبش- من تعميق الأزمة. سيكون من باب النرجسية ضبط حركة التنظيم وفق إيقاع نزعتنا القيادوية. إن أزمة حشدت، اليوم، تتحمل مسئولياتها السياسية و النضالية كل الأطراف التي صنعتها. فمن جهة، فإن تجميد وضعية الفروع و التحلل من المسئوليات الوطنية لإفشال تجربة المكتب الوطني الحالي و مأزقة الكاتب الوطني كان انتقاما من حشدت كمنظمة. و من جهة ثانية، فإن المكتب الوطني، و في القلب منه الكاتب الوطني، لم يتخذ المبادرات الكافية و اللازمة لإنقاذ منظمتنا. غير أنه يسجل له، بالمقابل، الاستمرار في تدبير الأزمة و إنعاش الشبيبة وزرع بعض من الحيوية في جسدها رغم تهرب البعض من مسئولياته و التزاماته النضالية. 2-في سياق تفاعلات النقاش الرفاقي، أثار رفيق مسئول في جهاز وطني، عضو اللجنة المركزية، بعض القضايا ذات الطبيعة القانونية، مثل: عدم قانونية تطعيم المكتب الوطني، عدم شرعية اجتماعات اللجنة المركزية، عدم شرعية اللجنة التحضيرية...الخ. إن التفاعل مع هكذا وجهة نظر لرفيق لا أحد يشك في صدقيته و نضاليته، يلزم، في تقديري، طرح السؤال التالي: هل أزمة الشبيبة بخلفياتها و امتدادتها ذات طبيعة قانونية/ تقنية أم هي ذات مضمون تنظيمي و سياسي؟ إن المقاربة القانونية كانت ستكون ذات معنى في حالة وضع تنظيمي سليم، غير أن حالة الضعف القائمة هي وليدة أزمة تنظيمية يتداخل فيها ضعف آليات تدبير الاختلاف بالنزعات الطليعوية التي لم يتم إشباعها، كما أن إبعاد التدخلات من خارج الشبيبة في هذا الوضع المأزوم سيكون من باب الابتعاد عن مناقشة جوهر الأزمة. و في العلاقة بالمرافعات القانونية، ووفقا للمنطق السابق، فإن تشكيل اللجنة التحضيرية للاستعداد للمؤتمر السادس لحركة الشبيبة الديمقراطية، كمجهود لأنهاء الأزمة، غير قانوني لاعتبارات موضوعية لا يستطيع أحد المجادلة فيها. غير أن الإشكال المطروح هو استنكاف جزء كبير، عن سبق إصرار و ترصد، في المساهمة في اللجنة التحضيرية بما يعنيه تمديدا لأزمة الشبيبة. و مقابل ذلك، اعتقدت وجهات نظر ثانية، و هي تخترق حشدت بشكل أفقي و عمودي، أن وضع نهاية الأزمة القائمة ينطلق من عقد المؤتمر الوطني السادس بشكل يستلهم روح حركة 20 فبراير، و يسمح بتداول نخب جديدة وغير متورطة في الأزمة. 3- و في المحصلة، فإن رهانين تصارعا في حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية، قبل 20 فبراير، يمكن اختزالهما في: أ- الرهان الأول: تأمين استمرار المنظمة رغم الأزمة الخانقة؛ ب- الرهان الثاني: تجميد الفعل مما ساهم في تأزيم وشلل حشدت. و بين الرهانين السابقين، سينبلج رهان آخر ولد في مغرب 20 فبراير و تقاطع مع كل الرهانات التي تنتصر للتنظيم بعيدا عن التموقعات المصالحية التي أرهقت شبيبتنا. إن هذا الرهان يقوم على العمل و الانخراط في كل المبادرات الوطنية و القاعدية من أجل تنشيط الحياة الداخلية لشبيبتنا، بعيدا عن التموقعات و الاصطفافات التي انتهت مدة صلاحياتها. إن الشباب اليوم لا يهمه التأريخ لسنة الحصول على بطاقة العضوية، بل يهمه المساهمة في صناعة التاريخ المغربي بمقياس المساهمة في بناء الديمقراطية هنا و الآن..ديمقراطية الوطن و المواطن. صحيح أن عدد من الفروع، قبل انطلاق حركة20 فبراير، قد جمدت نشاطها لأسباب مختلفة؛ منها ما هو متصل بالتكتيك، الذي تحول الى استرتيجية ، الرامي إلى معاقبة المكتب الوطني على خلفية تفاوت التقدير و اختلاف وجهة النظر في آليات التدبير، و لكن أيضا، و يجب أن نعترف بذلك، كان كرد فعل نفسي على فشل البعض الآخر في السباق نحو الكتابة الوطنية. و الحال أنه رغم حالة الشلل التنظيمي حاولت منظمتنا الحضور إعلاميا و ميدانيا في الحراك الاجتماعي و السياسي الذي قادته حركة 20 فبراير، مما ساهم في ضخ دماء جديدة في الشرايين المتصلبة لحشدت بالتحاق شباب متعطش للعمل الديمقراطي، كما تأسست فروع جديدة منفلتة من حالة التقاطب القائمة و متحررة، في الآن نفسه، من صراع لا يعزز إلا حالة النفور و الضعف. سيكون من المهم أن نركز على كيف نساهم كحركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية، من موقع يساري، في بناء الديمقراطية بالمضامين التي نؤمن بها. و الواقع أن كاتب هذه السطور، كعضو في حشدت، يتطلع أن تشكل هذه الملاحظات الأولية مدخلا مناسبا لفتح نقاش علني حول قضايا الشباب و مهام حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية.
* حميد هيمة، عضو حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية.