حين يطلب من البراءة تقديم مبررات، و يطلب منها تبرير جريمتها آنذاك تعي أنها ضحية و مدانة مجانا، و تعي أيضا أنها تعيش تحت نسق يسوده الظلم و العدوان و تغيب فيه العدالة الاجتماعية. براءة ألبست ثوب الجريمة و تحاكم طبقا لقوانين الجرائم. عندما تمتثل البراءة أمام قاضي التحقيق، ماذا عساها تفعل؟ ماذا عساها تقول ؟ هل ستسمع آذان قاضي التحقيق شهادتها الاستغرابية؟ طبعا لن يسمعها تتحدث و هي تقول ببرودة دم : أنا بريئة يا سيدي، لكن قاضي التحقيق لا يأخذ حديثها محمل الجد، و ينتظر الوقت الذي يحكم قبضته عليها و يقول بصوت خشن : وقعي هنا ، ترفض البراءة التوقيع لأنها لا تدري ماذا كتبه قاضي التحقيق في مختبر الأحكام الجاهزة و التهم الباطلة الملفقة للأبرياء. يصر قاضي التحقيق على توقيع محضر الاتهام، ترفض البراءة مرة أخرى، تتلقى هذه الأخيرة ضربات قاتلة تفقد من خلالها الوعي و يغمى عليها. بعد لحظات تستفيق البراءة و بها دوار، و لا تدرك أن يدها تمسك بقلم و صوت خشن، بجبروت و قوة قاتلة تجهز عليها، وقعي هنا توقع البراءة تحت طائلة التهديد، و توقع على أحكام و جرائم لم تفعلها، يضحك قاضي التحقيق و معه زمرة من حلفائه الذين يبتسمون بهذا الانتصار العظيم، و يقولون : طريقتنا ناجحة في استمالة البريئين .... ضحية أخرى ... تدخل البراءة السجن إلى حين امتثالها أمام المحكمة.... اليوم الأول: تدخل البراءة من باب السجن المتآكل، الذي يحرسه مجرمون بصفات إنسانية ، نظرات السادية تتراءى في أعين هؤلاء الحراس...تدخل البراءة في النفق المؤدي إلى غرفة يتم فيها تسليم البراءة و يخصص لها استقبال و ترحيب من نوع فريد، طبق من العصي و رجال من نوع آخر يخيل إليها أنهم من كوكب آخر و من بقايا قوم نوح، رجال بقامة تناهز المترين، و عرض يناهز المتر، لا تجري في دمهم إنسانية أو أدمية...نظرات الفرح و السرور تغمر محياهم، و هم نشيطون، ولم لا ينشطون و براءة جديدة بعظام رطبة و جلد لم يذق أبدا طعم العذاب بين أيديهم. تقذف البراءة بين أيديهم، تجمعوا حولها بقوة و هيجان، يخيل إلي أنني حمل في غابة بعيدة عن رائحة الإنسان وسط مجموعة ضباع لا تتقن إلا إرضاء الذات المريضة، هكذا تعيش البراءة لحظاتها في اليوم الأول. نعم بشر بصفات إنسانية، لكن بطبيعة حيوانية، هكذا يعبث البشر بالبشر و يصير أداة متحكم بها، يغمى على البراءة بفعل الوحشية و القسوة المسلطة من طرف الضباع الإنسانية.