عي بعد قضاء يوم في الرباط للمشاركة في الاحتجاج على حكومة البؤس، التي قال فقيدنا أيمن المرزوقي، في الصيف الماضي أنها حكومة خانت الشعب المغربي... جلست في أحد المقاهي أعيد قراءة "حفريات المعرفة"، غير أن رنة الهاتف المحمولة بإيقاع "منتصب القامة أمشي...مرفوع الهامة أمشي" تحمل معها صوتا مخنوقا للرفيق محمد التباعي، يردف عبارة تعتصر حزنا وألما: الرفيق أيمن مات. بين التردد في الاتصال بابنه الذي فقد والده وحضنه الدافئء، وبين استرجاع سريع للحظات انسانية مشتركة مع الرفيق أيمن المرزوقي، وبينهما، أيضا، تواترت حفريات في آيات الصمود النضالي، الفائض عن قدرة بني الانسان، دفاعا عن المبدأ والموقف وقيم اليسار في مغرب يشعل النار في كل من اتهم بحب الوطن المغتصب. الرفيق أيمن العنيد، المحب للوطن وللرفاق، كان "متطرفا" في التزامه بالمشروع اليساري، كما كان "متطرفا" في التفكير والعمل على بناء مغرب الحرية والعدالة الاجتماعية بأفقه الاشتراكي. نعم رفيقي، رغم أنني لا أصدق، فوالدي قد مات، يجيب الابن و الغبن وألم الفراق يستبد به كل مشاعره. في الليلة السابقة، عن يوم الحزن الذي استوطن قلوب رفاقه، تقاسمت الحديث مع رفيقي نجيب عن الكتب والاعتقال والشبيبة، ولا أعرف، بالتدقيق، دواعي استحضار كتاب "تازممارت.. الزنزانة رقم 10" ليذكر لي رفيقي أن صاحب الكتاب هو من عائلة رفيقنا أيمن المرزوقي. نعم، فقيدنا واجه بصمود جلاد المخزن، كما واجه بشجاعة قضاء فاسدا لنظام فاسد. كان يحيي جراح التعذيب في جسده كعربون عن وفاء ناذر للقيم اليسارية....لم يكن انسحاب أيمن من حياتنا إلا اضطرارا بسبب جراح التعذيب و الاعتقال. نعم، غادرنا الرفيق أيمن، لكن لن تغادرنا الافكار والقيم التي دافع عنها فقيدنا بشراسة. نعم غادرنا أيمن... منتصب القامة مرفوع الهامة...