كثرت التحليلات لخطاب بشار الأسد الأخير, البعض حلله تحليلا سياسيا والبعض ركز على التحليل النفسي , والبعض حوله إلى كوميديا ( كوميديا سوداء ) تذكرنا بخطابات المقبور معمر القذافي , ولهم حق في ذلك . فهو يبحث عن عروس لم يجدها , ويطلب التباحث مع الإرهاب ولكن بشرط أن يقاتل من أسماهم الإرهابيين ويقتلهم بعد أن يلقوا السلاح , ثم يتحاور معهم , من يقرأ الخطاب لا يخرج منه بأي معنى سوى قوله " أنا باق ولن أتزحزح إلى آخر نقطة في الدم السوري وأخر مبنى في سوريا . الخطاب لم يحمل محتوى جديد , بل وأقول انه كان متشددا أكثر من خطاباته السابقة , و لم يخرج عن محتويين , الأول للداخل , محاولة منه لرفع معنويات قواته شبيحته وإعطاء" المنحبكجيه" مادة للهتاف بها , والثاني هو للخارج ممن يقفون معه ومن هم ضده بأنه لن يتزحزح , لذا عليهم جميعا البحث عن حلول ضمن هذا المفهوم. ولكن هذه القراءة ناقصة , فالصورة الكبيرة يجب أن تحوي تصريحات الروس والإبراهيمي والمناورات الروسية الغير مسبوقة وتصريحات وتصرفات العرب والغرب . فالأخضر الإبراهيمي لم يتورع عن القول أن لا بديل للثوار السوريين وللشعب السوري سوى القبول بالأسد إلى عام 2014 أو الجحيم والقتل والتشريد والدماء . لافروف الروسي أعلن أن الأسد لن يتنحى ولا يمكن لأي قوة إجباره على التنحي , ويصاحب هذه التصريحات اكبر مناورات تجريها روسيا , وإرسال خمسة سفن إنزال إلى طرطوس , في خطوة استفزازيه لثوار سوريا , إيران لا يمكنها إنكار اشتراكها في إراقة الدم السوري , فهاهي صواريخ " فاتح " الإيرانية تقتل أطفال ونساء وشيوخ سوريا , وحتى بابا الفاتيكان دخل على الخط ينادي بحل تفاوضي حيث لن يخرج احد من سوريا غالب , ويطالب بحل لا يكون فيه غالب أو مغلوب . وهكذا نجد هذا الخطاب يخرج لكي يؤكد الصورة التي حاول العالم رسمها , الصورة التي تقول للسوريين " إما الأسد أو الجحيم " . وفي نفس الوقت تقول للغرب " إما الأسد أو الإرهاب " ولا ينسى القول لروسياوإيران " نظام الأسد ثابت ويطلب منهم الثبات على موقفهم ". هذا هو المغزى من خطاب بشار الأسد , فهو لم يخرج لكي يطرح حلا للأزمة في سوريا , ولم يخرج لكي يعطي رؤية حقيقة لما يحدث , ولذا خرج بشار على العالم بخطاب يقرأ من ورقة على غير ما عودنا الأسد في خطاباته , خطاب يحمل رسائل متناقضة لأنه يحمل رسائل لأطراف كثيرة . خطاب بشار الأسد وإن أعلن الكثير من زعماء الغرب ومسئوليه استهجانهم له ووصفوه بعدة أوصاف , ولكن المصيبة , هذا الخطاب هو تعرية لما يقولونه في خططهم , فما قاله لا يختلف كثيرا عما قاله مندوبهم الأخضر الإبراهيمي ومطالباتهم هم بأنفسهم بالحل السياسي والسلمي وإدراج كل الأطراف في الحل بما فيهم الأسد وحاشيته . فإذا أردنا أن نضحك على خطاب بشار فيجب ان نضحك أيضا على مواقف العرب والغرب وتصريحاتهم , فكلها تقول نفس ما قاله الأسد ولا تختلف عنه إلا في الصياغة والكلمات , أما المعاني فهي واحدة . الرد على الخطاب يأتي من الشعب السوري , ومن ثوار سوريا , ومن الشعوب العربية , فإذا كان الشعب السوري هو الحاضنة للجيش السوري الحر , فان العرب والمسلمين هم الحاضنة للشعب السوري المناضل . لا يحق لنا الضحك من خطاب الأسد , بل وحتى التعليق عليه ونحن مقصرون في حق إخواننا في سوريا , إخواننا في الداخل السوري وفي مخيم "جوانتنامو" المسمى ب "الزعتري" وعلى الحدود التركية وفي لبنان . أين نحن منهم ؟