تابعنا في الحلقة الماضي من سلسلة حلقات رمضانية قصة العبادلة مع الأعرابي والقاضي، واليوم نحاول أن نوغل في قصص الأئمة والعلماء. وليكن إمامنا في هذه الحلقة الإمام مالك (إمام دار الهجرة،صاحب كتاب الموطأ .سئل مالك رحمه الله عن طلب العلم فقال: «حسن جميل ولكن انظر إلى الذي يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسي فالزمه». وكان رحمه الله في تعظيم علم الدين على درجة عالية، حتى إذا أراد أن يحدّث توضأ وجلس على صدر فراشه وسرّح لحيته واستعمل الطيب وتمكن من الجلوس على وقار وهيبة ثم حدّث، فقيل له في ذلك، فقال: أحب أن أعظِّم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإرادته وجه الله تعالى بالعلم، فقد جاء عن مالك رضي الله عنه أنه لم يجب إلا عن ستة أسئلة من اصل ثمانية وأربعين سؤالا)، الذي حدثت له طرفة عجيبة.فبينما كان ذات يوم نائما إذ رأى في منامه ملك الموت(نعم ملك الموت)،فطرح عليه الإمام السؤال التالي:كم بقي لي من أجلي؟فلم يجبه ملك الموت، مكتفيا بمد أصابع يده الخمسة دفعة واحدة،فسأله الإمام مالك:أخمس سنوات،أم خمس شهور:أم خمسة أيام:...الخ،فلم يرد عليه ملك الموت.في الصباح قام الإمام مالك(وهو من هو من العلم والورع والصلاح) حزينا كسيفا باحثا عن تفسير لمعنى ما رآه في منامه،في النهاية، قرر التوجه إلى العالم الجليل ابن سيرين (صاحب كتاب تفسير الأحلام)من أجل تعليل ذلك ،وبعد أن قص عليه الواقعة، أجابه ابن سيرين بكل بساطة :إن السؤال الذي طرحته على ملك الموت يدخل في نطاق الأسئلة الغيبية الخمسة التي لا يعلمها إلا الله.فرد الإمام مالك:و ما هي تلك الأسئلة الغيبية؟فقال ابن سيرين:اقرأ قوله تعالى"إن الله عنه علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير"(لقمان/34).فبدأ الإمام يضرب كفا بكف لعدم وصوله إلى هذا المعنى اللطيف الذي فهم الله إياه ابن سيرين .يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر ،ولله في خلقه شؤون.