في ظل أجواء رمضان المبارك تشرأب أعناق المرء، بين الفينة والأخرى ،إلى المستملحات الهادفة والنكت الجادة التي تنطوي على دروس تربوية وحكم اجتماعية تدل على مدى رجاحة عقول بعض الناس، وفطنتهم، وقدرتهم على التقاط الإشارات(ساعة وساعة كما قال الرسول الأكرم صلوات ربي وسلامه عليه) .وفي هذا الصدد، نحيل على قصة واقعية تاريخية بطلها الحجاج بين يوسف الثقفي(الرجل القوي في العهد الأموي وتحديدا في زمن حكم الخليفة عبد الملك بن مروان)،وزوجته هند بنت المهلب التي لقنت الحجاج فنون المكر والدهاء والدسيسة. قالوا إن الحجاج كان متزوجا بامرأة اسمها هند بنت المهلب رغم أنها كانت تبغضه،وذات يوم وهي تسرح شعرها أمام المرآة، أعجبت بجمالها، وندمت أنها متزوجة بمهندس السياسة الأمنية في ذلك الزمن فجعلت تنشد قائلة: وما هند إلا مهرة عربية سلالة أفراس تخللها بغل فان ولدت فرسا فلله درها وان ولدت بغلا فوالده بغل يعني إذا أنجبت هند فرسا فقد ورث ابنها معاني القوة والفحولة والشهامة من أجداده ، وفي هذا الإطار يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم:"خولوا لأبنائكم واختاروا لنطفكم فان العرق دساس."، وان كنت قد أنجبت بغلا فوالده بغل. فسمعها الحجاج فاشتاط غضبا وأرغد وأزبد قرر أن يطلقها.وإمعانا في إذلال طليقته، وهو من هو،أرسل إليها رسولا ومعه مائتا ألف دينار فأخبرها بحاجته ،وقال لها :"الحجاج يقول لك :كنت فبنت" ،يعني كنت زوجة قريبة وأصبحت الآن بائنة أي بعيدة وطليقة، فرفضت المبلغ المالي، وقدمته هدية لرسول الحجاج جزاء بشارته لها، وتوجهت إليه قائلة:قل للحجاج "كنا فما فرحنا وبنا فما ندمنا".وأمرت بإخراجه. ويقول رواة القصة: إن الخليفة عبد الملك بن مروان قد سمع بالحادثة، وقرر الزواج بهند بعد أن انفرطت حبات عقدها مع الحجاج،فأرسل إليها رسالة بخطبها، فردت عليه برسالة تقول فيه:ا"يا أمير المؤمنين والله إني راغبة فيك لكن الإناء ولغ فيه الكلب.".فقال لها ":لئن ولغ الكلب في إناء فيغسل سبع مرات بالماء ويطهر الثامنة بالتراب.". الشاهد عندنا أن هندا قبلت الزواج بشرط أن يكون الحجاج من يقود هودجها،وأن يرتدي الزى الذي كان يرتد يه قبل توليه المسؤولية والإمارة(زمن الفقر والحرمان) ،فأرسل الخليفة إلى الحجاج –وهو العبد المأمور- فلبس لباسه المتواضع ذاك، وأخذ يجر هودجها،وأثناء الطريق ألقت هند دينارا وقالت له:"ناولني الدرهم."،فبحث فوجد دينارا فرفع إليها الدينار وقال لها: "والله ما وجدت إلا دينارا، وأنت تقولين وقع منك درهم."فقالت قولتها المشهورة:"الحمد لله الذي أبدلنا درهمنا دينارا".وهي رسالة مشفرة موجهة للحجاج وما أدراك ما الحجاج باعتباره درهما والخليفة باعتباره دينارا. وكل لبيب بالإشارة يفهم