خالد العيوض°: ان التفكير في بيع محصول الأسرة من فاكهة الأركان يمكن اعتباره نوعا من الحمق، إضافة إلى كونه تصرف منبوذ من الناحية الثقافية والاجتماعية. الحسن باكريم تعتبر غابة الأركان إحدى المؤهلات الطبيعية التي ينفرد بها الجنوب الغربي لبلادنا. ومناسبة إثارة موضوع هذا الموروث الطبيعي ليس للحديث عن أهميته الإيكولوجية باعتباره حاجزا طبيعيا لحماية سهل سوس من التصحر أو أهميته في الحفاظ على التربة في المناطق الجبلية للأطلس الصغير أو الأطلس الكبير الغربي، فهذه الأمور تحدت عنها الكثير من الخبراء في السنوات الماضية، الحديث هذه المرة، بمناسبة مؤتمر دولي حول شجرة اركان سينطم منتصف دجنبر الجاري بمدينة اكادير، متعلق بوضعية قطاع إنتاج زيت الأركان ومشتقاته. ولعل المثير في موضوع هذه الشجرة التي خص بها خالق الكون بلاد المغرب دون غيره من بلدان المعمور هو الاستغلال المفرط والجائر في طل مشاريع كثيرة وكلام متدفق عن اهمية الشجرة وضرورة حمايتها دون جدوى، وجعل انتاج زيته ومشتقاته تخدم التنمية المسدامة للمغرب وتساهم في التنمية البشرية ومحاربة الفقر. وتأتي أهمية الموضوع اليوم في إطار النقاشات التي لازمت انجاز مشروع المحافظة وتنمية الأركان ، هذا المشروع الذي كان له الفضل في إثارة الاهتمام العالمي حول الشجرة والمساهمة المباشرة في تبني منظمة اليونسكو لها كموروث ثقافي كذلك باعتباره إرثا غابويا للإنسانية، وكذا إعلانه كمحمية طبيعية ذات أهمية إيكولوجية، في طل انعقاد هذاالمؤتمر الذي ينتطر منه تقييم وضعية غابة اركان ومصير منتوجاته وطنيا ودوليا. السؤال الذي نطرحه اليوم، بمناسبة المؤتمر الدولي المذكور، والذي سنحاول أن نحيط ببعض عناصر جوابه، من خلال هذا المقال ، متعلق بوضعية قطاع إنتاج زيت الأركان ومشتقاته، وهل استطاعت بلادنا حقا أن تستثمر جميع المؤهلات التي يوفرها انفراد المغرب بكون مجاله الترابي يحتضن غابة أركان الوحيدة بالعالم ؟ تغطي غابة الأركان حوالي 827 الف هكتار من التراب الوطني وهو ما يمثل قرابة 71 بالمائة من الغطاء النباتي بمنطقة سوس. وحسب الباحث في التنمية والبيئة خالد العيوض، فإن عمر شجرة الأركان يتراوح ما بين 150 إلى 200 سنة. وفي إطار نمط الإنتاج التقليدي فإن غابة الأركان لها عدة منافع عند الساكنة القروية. فهي مجال للرعي، كما أن خشبها يستعمل كوقود للتدفئة والطبخ، كما يستعمل كذلك كهياكل لدعم البنايات التقليدية، أما فاكهتها فتستعمل لإنتاج زيت الأركان الذي يعتبر من أجود الزيوت الطبيعية ذات الفوائد المختلفة سواء منها تلك المعروفة في الثقافة التقليدية في مجال التغذية أو المجال الصحي أو مجال التجميل وتشبيب البشرة، أو تلك التي اكتشفها العلم الحديث. ولازالت هناك منافع أخرى تتطلب المزيد من البحث والتمحيص العلمي والتجارب لإثباتها بالمحافل العلمية على الصعيد الدولي، نذكر منها على سبيل المثال ما أتثبته التجارب المخبرية من كون التناول اليومي لقسط من زيت أركان لمدة ثلاثين يوما يؤثر ايجابيا على وضعية الكولستيرول في الدم وكذا دوره في التخفيف أو الحد من حدوث الانتكاسات القلبية. ويضيف خالد العيوض إن الساكنة المجاورة لغابة الاركان تقوم بجمع فاكهة الشجرة بعد ما تنضج و تسقط، حيث يتم نشرها في الفضاء الخارجي تحت أشعة الشمس لفترة معينة حتى تيبس ويتم بعد ذلك تخزينها في مكان آمن بالمنزل. في إطار نمط الإنتاج التقليدي فإن عملية جمع هذه الفاكهة تتم خلال أشهر يونيو ويوليو وغشت حسب المناطق. وهناك نظام تقليدي عريق في بلاد الأركان يسمى أكدال، تقوم القبيلة بمقتضاه بإغلاق المجال الغابوي ومنع أنشطة الرعي حتى لا تقوم المواشي بأكل وإتلاف محصول ثمار الأركان التي تسقط إلى الأرض بعد نضجها، حيت يتم إغلاق الغابة بمقتضى هدا النظام حتى تجف الثمار و تكتمل عملية سقوطها. حينذاك يتم فتح الغابة بشكل منظم ويتم إعلان تاريخ ذلك بواسطة البراح في الأسواق أو المآذن. ويعتبر رصيد مخزون الأسرة من فواكه الأركان عنصرا اقتصاديا مهما داخل منظومة نمط الإنتاج التقليدي، يؤكد الفاعل الجمعوي العيوض، حيث أنه في إطار هذا النمط الذي يغلب عليه الطابع المعاشي، فإن هذا المخزون يلعب دورا استراتيجيا في ضمان توازن اقتصاديات الأسرة على مدار السنة. و تقوم ربة الأسرة بدور فعال في تدبير هذا المخزون، فالأسرة في الأحوال العادية لا تقوم ببيع مخزونها دفعة واحدة، بل تتصرف فيه بمنطق الكفاف والعفاف، فهو بمثابة الذهب بالنسبة إليهم. ولهذا المخزون عدة أدوار، نذكر منها كون المرأة ربة المنزل وبناتها تقمن باستغلال أوقات فراغهن للقيام بعملية تكسير فواكه الأركان لاستخراج الأنوية التي تحتضنها والتي تستعمل هي بدورها لاستخراج زيت الأركان. و نظرا لتعقد هذه العملية فإنها قد تستهلك مجموع أوقات فراغ أمهات وفتيات الأسر خلال مجموع أيام الأسبوع. بعد ذلك يقوم رب الأسرة بأخذ تلك السلعة من أنوية أو زيوت مستخرجة والذهاب بها نحو السوق الأسبوعي لبيعها هناك وشراء بعض المستلزمات الضرورية للحياة مثل السكر أو الزيت أو الشاي أو غيره. كما تعتبر هذه الدورة الإنتاجية، التي يختلط فيها الاقتصادي بالثقافي والديني والخرافي، جد مهمة في توفير الحدود الدنيا للعيش ببلاد الأركان، خاصة المناطق الفقيرة المتواجدة ما وراء جبال النسيان على حد تعبير متحدثنا هذه المناطق التي يندرج جزء كبير منها فيما اصطلح عليه بالمغرب غير النافع، والذي بقي جزء منه خارج التاريخ وخارج اهتمامات الدولة إلى حدود العشر سنوات الأخيرة حيث شهد تحولات مهمة على صعيد تأهيل بنياته الأساسية من طرق وماء وكهرباء، وذلك بفعل المجهودات التي قامت بها جمعيات المجتمع المدني المحلية وكذا أبناء هذه المناطق الذين فروا من ويلات القحط في المراحل السابقة لكي يؤسسوا مشاريعهم التجارية بالمدن الكبرى أو خارج الوطن. كما لا ننسى هنا الدور الذي لعبه التعاون التقني الدولي في تحقيق القفزة في مجال تأهيل التجهيزات خاصة الوكالة اليابانية للتعاون الدولي و كذا التعاون التقني البلجيكي. وبفضل الاهتمام العالمي بزيوت الأركان ومشتقاته. منذ قرابة الخمس سنوات، أصبح زيت الأركان ومشتقاته موضوع اهتمام متزايد يوما بعد يوم على صعيد الأسواق الدولية، بل إن تطور الأبحاث العلمية حول هذه المادة مكن من جلب الكثير من مختبرات التجميل المعروفة دوليا (...) والشركات العالمية التي بدأت في تسويق العديد من المنتجات المصنعة باعتماد زيت أركان الطبيعي ومشتقاته. كما أن السوق الدولية بدأت تعج بالعديد من المنتجات المستحضرة من الأركان والموجهة للاستهلاك الغذائي أو ذات الطابع الحميائي. وعلاقة بما يتوفر عليه المغرب من مؤهلات طبيعية في مجال تطوير صناعة زيت أركان ومشتقاته، لابد من الإشارة إلى ضرورة العمل على الزيادة في حجم الإنتاج، وهذا لن يتم إلا عبر ثلات عمليات ، كما حددها خالد العيوض،اولاها المحافظة على غابة الأركان والحد من عمليات الاجتثات والاقتلاع الذي تتعرض له الشجرة، والتي تتم لعدة أسباب نذكر منها الضغوط التي يمارسها الإنسان من خلال القطع العشوائي والرعي الجائر، خاصة مع ارتفاع حجم القطيع وبصفة خاصة الابل التي تأتي من المناطق الجنوبية وتتسبب في خسائر فادحة على صعيد الغطاء الغابوي.والاستغلال الفلاحي العصري الذي انتشر خاصة بغابة أدمين باستعمال البيوت البلاستيكية التي يسبقها قطع جميع الأشجار علانية وبالتواطؤ مع الجهات المعنية بالمراقبة والضغوط الناتجة عن حاجيات التعمير، مثال مدينة أكادبر الكبير التي التهمت خلال 15 سنة الماضية أكثر من 2000 هكتار (مشاريع أركانة، المغرب العربي، المنطقة الصناعية، الحي المحمدي، تدارت، أدرار، مطار المسيرة، تالعينت، . مشروع مطرح النفايات، ميترو ...). إضافة بالطبع للتكتلات العمرانية العشوائية التي تنبت كل يوم بالمحيط الغابوي لأركان بفعل الخصاص الذي يعرفه مجال التخطيط الحضري و كذا المضاربات العقارية التي تنعشها ثلة من المضاربين الذين يستفيدون من غطاء العلاقات المشبوهة التي تربطهم ببعض مصادر القرار. وثانيها، حسب المتحدث، تخليف الغطاء الغابوي بالمناطق التي لحقتها الشيخوخة. ويهم الأمر هنا العديد من المناطق التي انخفضت مردوديتها الإنتاجية. و كما هو معلوم، فان عملية التخليف تتم من خلال قطع الأشجار بقصد تمكينها من عملية التجديد الذاتي لأنسجتها. وهناك عدة تقنيات تم تطويرها بالاعتماد على الأطر المغربية والبحث العلمي الوطني. ثم هناك كذلك عدة عمليات ناجحة في هذا المجال، خاصة بالمناطق المحاذية لمدينة الصويرة جنوبا، وكذا بعض المناطق الجبلية ذات التضاريس الصعبة، والتي تساهم بقدر كبير في الحد ضغوط ممارسات الإنسان. إلا أن عملية التشبيب هاته تعتبر جد معقدة بسبب كونها تتطلب، بعد عملية قطع الأشجار، أن يتم الإغلاق التام للمجال الغابوي موضوع التدخل، خصوصا وأن الشجيرات الصغيرة التي تخلف القطع تعتبر جد هشة إضافة إلى كون الماعز يقدم على قضمها وأ كلها بلهفة كبيرة. وإذا علمنا أن غابة الأركان تتميز بكونها مثقلة بحقوق الساكنة القروية من ذوي الحقوق، بما في ذلك عملية الرعي وتجميع ثمار أركان وكذا القيام ببعض الأنشطة الزراعية التقليدية التي لا تخل بالتوازنات الطبيعية، فإن عملية الإغلاق تعني الحيلولة بين الساكنة ومصادر رزقها التقليدية خلال سنوات متعددة.إن الوضعية الراهنة لقطاع إنتاج زيت الأركان تثير لدينا عدة إشكالات، يقول العيوض، منها ما تمت إثارته في وقت سابق من قبل العديد من الأطر المغربية العاملة سواء بحقل المياه والغابات أو البحث الزراعي. من أهم الإشكالات التي لها طابع مركزي هي تلك التي تطرح التساؤل حول جدوى المقاربة المعتمدة حاليا، (إذا اعتبرنا مجازيا أن هناك مقاربة) ، في تدبير قطاع إنتاج وتسويق منتجات زيت الأركان ومشتقاته. يستمد هذا السؤال شرعيته من خلال التشخيص الموضوعي للآثار التي أحدتها التهافت على المادة الأولية لفواكه الأركان على المستويين البيئي المرتبط بمجال الأركان والمستوى الاجتماعي والاقتصادي للساكنة المحلية لبلاد الأركان ومدى استفادتها من هذه الدينامكية. لمحاولة الإحاطة بمجموع جوانب هذا السؤال، لابد من الاتفاق على أنه من الناحية المبدئية فإن تزايد الاهتمام بمنتجات أركان لا يمكن اعتباره إلا إيجابيا. و يجدر بنا أن نعبر عن الاعتزاز والتقدير للأطر المغربية وللأساتذة الجامعيين ومهندسي المياه والغابات والبحث الزراعي وكذا النساء القرويات العاملات بالتعاونيات أو منظمات المجتمع المدني ذات الاهتمام، كل هؤلاء كان لهم دور وطني ونضالي في الوصول بهذا القطاع إلى المرحلة المتقدمة التي يوجد عليها اليوم. إلا أنه مع ذلك ، فإن هذا التقدم لا يجب أن يخفي عنا المخاطر التي تحيط بمستقبل هذا القطاع ، خاصة على المستوى المتوسط والبعيد. فإذا حاولنا ربط التوجهات الحالية التي تحكم تطور للقطاع بمفهوم التنمية المستدامة كما هو متعارف عليه على الصعيد الدولي، فإن ذلك سوف يؤدي بنا إلى إثارة مجموعة من الجوانب المحرجة. بالنسبةللجانب الأول المتعلق بالبيئة، هناك العديد من الباحثين والمهتمين يطرحون موضوع الطلب المتزايد على المادة الأولية (فواكه الأركان) وما يؤدي إليه من ضغوط غير مسبوقة على المجال الغابوي والطاقة التقبلية لهذا المجال. فاستنزاف موارد الغابة يؤثر سلبا على التوازنات البيئية الهشة التي سمحت لقرون عديدة لشجرة الأركان بالاستمرار في الوجود والتوالد والحيلولة دون انقراضها. الجانب الثاني المرتبط بمفهوم التنمية المستدامة، هو بالجانب الاجتماعي والذي يطرح التساؤل حول مدى استفادة الساكنة المحلية التي تقطن المجالات القروية لبلاد الأركان من هذه الديناميكية التي يعرفها القطاع، وما موقع هذه الساكنة من الآليات التي تغدي هذه الديناميكية. كما أشرنا إليه سابقا، فإن تدبير مجال الأركان ومنتجاته من قبل الساكنة المحلية، كان يعتبر مكونا أساسيا في ظل نمط الإنتاج التقليدي السائد في هذه الأرجاء. بل إن المحصول السنوي من فواكه الأركان كان يعتبر بمثابة الرصيد الاستراتيجي للأسرة و يتم التصرف فيه بحذر شديد و طبقا لمنطق الحاجيات الضرورية. و هذا تصرف طبيعي داخل مجالات ترابية تنعدم فيها أبسط شروط الضمان بالنسبة للمستقبل، حيث أن سنوات الجوع كما تسمى لا زالت تحكم تصرفات الأشخاص والجماعات، بالرغم من كونها تعود لأربعين سنة خلت. في ظل هده الأجواء فان مجرد التفكير في بيع محصول الأسرة من فاكه الأركان يمكن اعتباره نوعا من الحمق، إضافة إلى كونه تصرف منبوذ من الناحية الثقافية والاجتماعية يؤكد العيوض. واليوم ونحن بصدد مؤتمر دولي لاركان يبقى ان نتساءل مع هؤلاء المؤتمرين ، بعد ان وصل عدد التعاونيات الى 160 تعاونية نسائية منتجة لزيت الاركان ولمشتقاته، هل استطاعنا فعلا ان نبلور مقاربة اجتماعية تستند على معايير التنمية البشرية المستدامة في هذا المجال ام اننا بصدد مقاربة تجارية لتسويق هذا المنتوج على حساب المنطلقات الاولى لمشروع اركان. °خالد العيوض: استاذ باحث في التراث والتنمية، المنسق الجهوي لشبكة جمعيات محمية اركان للمحيط الحيوي