سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
خالد آلعيوض: "العمران" لم تجد غضاضة في اجتثاث أشجار الأركان من أجل إقامة تجزئات منسق «راربا» قال للمساء إن العديد من المنشآت أقيمت في سوس على أنقاض شجرة أركان
سعت العديد من البلدان إلى استنباتها في أراضيها للاستفادة من مزاياها المناخية و الغذائية والتجميلية، لكنها ما زالت لم تفلح في ذلك، فشجرة أركان لا يختص بها سوى المغرب، لكن رغم ماجادت به الشجرة على ساكنة المجال الذي تنتشر فيه من خيرات عبر القرون، لم تلق سوى الإهمال والاجتثاث. في هذا الحوار، مع خالد آلعيوض، المنسق العام لجمعيات محمية أركان للمحيط الحيوي، نسترجع قصة تلك الشجرة، التي تتصدى العديد من الفعاليات في السنوات الأخيرة للذود عنها وحمايتها. - تأسست في الفترة الأخيرة الفيدرالية البيمهنية المغربية للأركان، حيث تضم مختلف المتدخلين المرتبطين بشجرة الأركان وما تطرحه من ثمار، فمن أين تستمد شجرة الأركان قوتها حتى تحظى باهتمام ما فتئ يتزايد في المغرب والخارج؟ لا توجد شجرة أركان في أي منطقة بالعالم، باستثناء المنطقة الواقعة وسط المغرب، أي بين شمال الصويرةوجنوبتيزنيت وشرقا نحو تارودانت. وهي شجرة تعود إلى الزمن الجيولوجي الثالث، وبالتالي فهي من الأشجار النادرة، وهناك شجرة قريبة منها بالمكسيك لكنها لا تثمر. وتستمد الشجرة فرادتها من كونها معمرة، حيث يمكنها أن تعيش حوالي قرنين، بل إن المصادر التاريخية، تشير إلى أن بعض الأشجار عمرت أكثر أربعة قرون، في إشارة إلى شجرة العبيد التي كان العبيد يباعون تحتها في موسم تازروالت. وتستمد الشجرة حضورها القوي من تداخلها مع الإنسان، إذ من الصعب أن نفصل بينها وبين الإنسان السوسي مثلا، وخاصة النساء. فهي حاضرة بقوة في الحياة العامة، إذ هم يلوذون بها طلبا للراحة ويتقاضون تحتها ويقدمون تحتها ما يعرف ب«المعروف». . وهذا الجانب الأنثربولوجي يحتاج إلى دراسات عديدة، وبالتالي لا يمكن التعامل مع تلك الشجرة كشجرة عادية. وللشجرة مزايا مناخية مهمة، حيث تلطف المناخ، فإذا أخذنا نفس خطوط العرض التي تتواجد بها سوس والصويرة التي يتواجد بها أركان واتجهنا شرقا نحو الجزائر ومالي والتشاد وحتى مصر، سوف نجد أنفسنا في قلب الصحراء الكبرى، حيث نلاحظ أن هاته المنطقة لا تعرف حرارة مرتفعة، وذلك لعاملين طبيعيين اثنين، أولهما وجود سلسلة جبال الأطلس، أي الأطلس الكبير والصغير، وثانيهما وجود شجرة الأركان. ومكنت شجرة الأركان من تراكم خبرة كبيرة لدى النساء في سوس، فهن ينكببن على عمليات التكسير والطحن والعصر، بتقنيات دقيقة يصعب التمكن منها بسهولة، حيث هناك العديد من الأمثال التي نسجت حول معالجة الأركان، فهناك مثال يشير إلى أنه لا يمكن أن يعصر بدون ماء، لكن إذا تجاوز الماء مقدارا محددا، يفسد الزيت. مما يعني أن ذلك يقتضي خبرة لا يمكن أن تتوفر سوى لهؤلاء النسوة. وزيت الأركان يمثل رصيدا يدخره إنسان المجال الذي يوجد فيه، حيث يستعمله كلما لجأ إلى السوق الأسبوعي، ويبيعه من أجل شراء مواد أخرى. هاته الخصائص التي أشرت إليها هي التي رفعت شجرة الأركان إلى مرتبة التراث الإنساني العالمي، على اعتبار أن اليونسكو رقت مجال الأركان إلى مجال حيوي محمي، وهي مجالات لا تتعدى الأربعمائة في العالم، وبالتالي أصبح موروثا إنسانيا عالميا. - ما هي العوامل التي جعلت من شجرة أركان خاصية مغربية محضة؟ في الزمن الجيولوجي الثالث كانت شجرة أركان في مناطق ممتدة في المغرب، وقد وجد لتلك الشجرة مثيل لها في المكسيك، غير أن تلك الشجرة في المغرب مثمرة، والشجرة التي توجد في المكسيك رغم أنها من نفس عائلتها لا تطرح تلك النواة التي يستخلص منها زيت الأركان. وقد وجدت في تندوف وهناك بعض الأشجار في الصحراء، وجدت في الرباط وعثر على بعض الأشجار في بركان. غير أن أشجار الأركان تنتشر بكثافة في المنطقة الواقعة بين شمال الصويرة حتى جنوبتزنيت وجزء من كلميم وشرقا حتى نواحي تالوين. وهذا التركز في تلك المنطقة يجد تفسيره في أنه نتيجة التغيرات المناخية، تتركز الأنواع في بعض المناطق وتختفي في أخرى، كما بالنسبة لشجرة السيكويا في الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي تركزت في منطقة كاليفورنيا. - حاولت بعض البلدان استنبات هاته الشجرة، لكن لحدود الآن ما زال المغرب ينفرد بها، ما هي العوامل الطبيعية التي تساعد على استنبات تلك الشجرة؟ شجرة الأركان تحتاج إلى مناخ قليل الرطوبة ولا يتميز ببرودة شديدة، أي مناخ معتدل قد تصل فيه درجة الحرارة إلى 48 درجة ولا تقل عن 10 درجات، على اعتبار أن البرودة الشديدة تؤثر على نمو تلك الشجرة. وشجرة الأركان لا تحتاج إلى الكثير من الماء، علما أن النباتات الشوكية تتكيف مع المناخ الجاف. حاليا هناك تجارب من أجل استنبات الشجرة، غير أنها استطاعت أن تتكيف فقط في المجال الوحيد الذي يسود فيه مناخ حار لكن تعتريه رطوبة، وهذا ما يعطي لتلك الشجرة فرادتها وشهرتها في العالم، حيث يطلق على زيت أركان نعت «الذهب الأخضر». - كيف تفاعل الإنسان في المنطقة مع الشجرة؟ يصعب أن تفصل بين الشجرة والإنسان الذي يعيش في مجال تواجدها، فهي شجرة تكتفي بالقليل من الماء وتصبر على العطش، وتلك قيمة تسربت إلى نفسية الإنسان في المنطقة التي تتواجد بها، على اعتبار أنه يصبر على شح وندرة الموارد. وعلى عكس ما يظن، لا يعمد إنسان ذلك المجال إلى اجتثاث أو قطع تلك الأشجار، وهذا ثابت تاريخيا، فهو يربط معها علاقات حميمية، ويكتفي بتشذيبها والتخلص من الأطراف الميتة. فهي مورد عيش له ولأسرته ومصدر كلأ لماشيته. وكي ندرك أهمية الشجرة في الموروث الثقافي في المجال الذي توجد به، أورد معاني من قصيدة لشاعر مجموعة «أرشاس» الشهيرة، علي شُهاب، حيث يوصي الآباء الأبناء نقلا عن الأجداد، بشيئين اثنين هما الأرض والأركان، وفي سياق القصيدة ذكرت شجرة الأركان قبل الأرض، حيث يلحون عليهم بعدم التفريط فيهما، وفي نفس القصيدة، تخاطب الشجرة الساقية، حيث تقول لها بأن تجود بمائها على النهر، فهي لا تحتاج إلى الماء وتتحمل العطش. والشجرة حاضرة في طقوس الزواج وزيتها أول سائل يتناوله المولود عندما يرى النور... - لكن يبدو أن ثمة من لا يدرك هاته المعاني التي تشير إليها، فالشجرة تبدو مهملة في بعض الأحيان، ما الذي دفع إلى تراجع تلك الشجرة؟ الإنسان هو المسؤول عن تراجع الشجرة، غير أن تلك الوضعية ليست طارئة، فبالعودة للتاريخ، نلاحظ أن أول عملية تخريب لشجرة الأركان كانت في عهد السعديين الذين أدخلوا صناعة السكر، حيث استغلت غابات في زراعة قصب السكر، ومع مجيء الاستعمار الفرنسي، تم تحويل مساحات كبيرة في منطقة الشياظمة لغرس شجر الزيتون على حساب شجر الأركان، نفس الشيء حدث في منطقة هوارة الواقعة بين تارودانت وأكادير، حيث أقيمت ضيعات الليمون على أنقاض شجرة الأركان. وأكبر تدمير للغابة تم خلال الحرب العالمية الثانية، حيث كان المغاربة يضطرون إلى قطع الأشجار، تحت سياط المستعمر في إطار ما يعرف بالسخرة، حيث كان المستعمر يحول الأشجار إلى فحم يوجه لتغذية المجهود الحربي. وأنا كنت أدعو دائما إلى رفع دعوى قضائية ضد فرنسا بسبب ما ألحقته من أضرار بتلك الشجرة. وفي السنوات الأخيرة، المؤسسة الجهوية للتهيئة والبناء، ومن بعدها مؤسسة العمران، لم تجدا غضاضة في اجتثاث الآلاف من أشجار الأركان من أجل إقامة تجزئات، بل إن العديد من المنشآت والشركات في منطقة سوس أقيمت على أنقاض تلك الشجرة، فالمساحة التي كانت تمتد عليها شجرة الأركان تقدر ب 1.5 مليون هكتار، تقلصت اليوم إلى 827 ألف هكتار. - لكن طرح اليوم مشكل رعاة الإبل الذين يجتاحون المجال ويلحقون أضرارا بشجرة أركان.. غالبا الأركان يوجد في المجال الذي يعيش فيه المستقرون، حيث يعتبر الأركان مصدر رزقهم الرئيسي، وهم يزرعون بعض الحبوب، خاصة الشعير، عندما تكون السنة ممطرة، ويربون قطعان الماعز التي لا تكون في غالب الأحيان أعدادها كبيرة، والتي تتعايش بشكل سلس مع شجرة الأركان في نوع بين التوازن الذي يؤدي إلى الحفاظ على الغابة، غير أن المشكل يثور في سنوات الجفاف في المناطق الجنوبية، حين تزحف على الغابة قطعان كبيرة من الجمال والأغنام والماعز، وهذا ما يخلق صراعات بين المستقرين والرحل. - ما هي تداعيات ذلك على المنطقة، وماذا عن الوضعية القانونية لشجرة الأركان؟ بطبيعة الحال عائدات الشجرة بالنسبة للساكنة سوف تتراجع، لكن ثمة مشكل آخر قانوني، فهناك قانون 1917 والمراسيم التي صدرت والتي تحدد الملك الغابوي، وبالتالي نجد أن شجرة الأركان مثمرة لكنها تعتبر شجرة غابوية. فظهير 1925 يجيز فقط حقوق الانتفاع، أي أن المكان الذي توجد فيه الشجرة، يمكن حرثه وجني الثمار والرعي فيه وجمع الحطب وجمع الأحجار. وهو يحظر اجتثاث الشجرة، ثم إن ثمة مشكلا على مستوى تحديد الملك الغابوي، بين السكان المستقرين الذين يقولون إن تلك الأراضي ورثوها عن أسلافهم وبين المندوبية السامية للمياه والغابات التي تقول إن تلك الأراضي تعود إليها، وهذا يتطلب مراجعة القوانين التي تعود إلى حوالي مائة سنة خلت، مما يستدعي مقاربة جديدة تراعي المعايير الحالية وتشرك الناس في تدبير المجال الذي يتميز بتعقيده. - تتطلع الفيدرالية البيمهنية المغربية للأركان إلى إبرام عقد برنامج مع الدولة، ما هي انتظاراتكم من هذا العقد؟ شاركت في النقاش حول الفيدرالية مع ذوي الحقوق والفاعلين في المجتمع المدني على اعتبار أننا اهتممنا بالأركان منذ سنوات طوال، ونحن نترقب إعطاء الأهمية للشجرة وللمرأة، وأنا أتخوف أن تعطى الأهمية فقط للتسويق على حساب الجانب الاجتماعي والطبيعي، وهذا ما ننادي به منذ سنوات، فبالنسبة لي، معادلة أركان لها ثلاثة جوانب مرتبطة بالتنمية المستدامة، حيث هناك الشق الاقتصادي والشق الاجتماعي الذي يولي الاهتمام أكثر للمرأة التي تتدخل في جميع مراحل إنتاج أركان واستخلاص زيته دون أن تتلقى المقابل المادي الذي يكون في مستوى المجهود الذي تبذله، والشق الطبيعي المرتبط بالشجرة التي تجب حمايتها والعمل على تخليفها. ونحن نتخوف أن تتحول الفيدرالية إلى أداة للترويج من أجل تسويق زيت الأركان وليس تنمية المجال. وأنا أعتبر أن استمرار البيع مشروط بالاشتغال مع المرأة وتنمية العالم القروي الذي يوجد به مجال أركان وتنمية الغابة التي تحتضن شجر أركان.