من تهريب الإبل إلى السجائر والمخدرات فالسلاح و"رادار" وحيد لمراقبة الحدود تتبع خيوط وآثار تهريب المخدرات والسلاح في جغرافية تبدل معالمها بين الحين والآخر، أشبه بتتبع كرة خيوط متشابكة لا تضع اليد على حل عقدة حتى تحكم إغلاق عشرات أخر. فالحديث عن تهريب السلاح في ضواحي الرشيدية وزاكورة يمر عبر تهريب المخدرات والسجائر، وبدوره تهريب المخدرات يمر عبر تهريب الإبل. الأكيد أن التغير الذي تشهده مدينة زاكورة، ومظاهر الإعمار الجديدة، لا تحدث صدفة، ولا حتى كانت مبرمجة في واحد من مخططات التهيئة والتنمية المتراكمة في رفوف المؤسسات العمومية، لكن ما يحدث تلخصه شهادات من المنطقة في ثورة "التهريب" التي بدأت تلقي ب"خيراتها" على مدينة التمور، وإن كان بعضهم يلح على أن الأموال الوسخة لهذه العملية تبيض في حمامات أكاديرومراكش. لكن ذلك لا يمنع ما يحرك سؤال "ما الجديد؟"، خاصة أن الجميع بمن فيهم سكان المدينة والمدن المهملة المحيطة بها، وتلك التي تلقي بها الجغرافية على أطراف الحدود، بدؤوا يجسرون الطريق إلى امتهان التهريب والاستفادة منه مادام هو الخيار الوحيد، كما فعل سابقوهم في مدن الشمال.
البداية... فوق أسنمة الإبل بدأ كل شيء في حكاية التهريب في الجنوب الشرقي للمملكة، خاصة عند ثالوث التهريب ورزازات زاكورة الرشيدية، حيث صنع أباطرة المخدرات مملكتهم الجديدة لتشييد "الشمال الجديد" للتهريب الدولي للمخدرات والسلاح بعد أن اشتد عليهم الخناق في منافذ المتوسط. البداية، إذن، جاءت من أسعار سفينة الصحراء، التي لم تكن تخضع إلى مساومات، قبل أن تحمل العواصف الرملية التهديد إلى كسابة الإبل المغاربة من صحارى مالي عبر الحدود الجزائرية. "في مالي لا تستهلك لحوم الإبل كما في الأقاليم الجنوبية، لذلك ثمنها رخيص جدا إذا ما تمت مقارنته بثمن رؤوس الإبل في الأقاليم الجنوبية، حيث كانت تناهز ما بين 10 آلاف و13 ألف درهم، فيما لا يتعدى ثمنها في مالي حوالي 1500 درهم، ما شجع على تهريبها وتسويقها في المغرب، خاصة في الأقاليم الجنوبية، بحوالي 6000 درهم، وكانت تلك ضربة لكسابة الإبل هنا". سوق الإبل، إذن، شكلت الأعمدة التي رصت على أطرافها خيوط نسيج التهريب، قبل أن تحولها أنامل المهربين الغليظة إلى تهريب السجائر ثم الحشيش فالسلاح وما "خفي أعظم".
حكايات التهريب... ما أن تدخل بوابة زاكورة حتى تعترض سبيلك زوابع رملية صغيرة، سرعان ما تصبح عاصفة كلما تقدمت إلى تامكروت فمحاميد الغزلان، التي تستقبلك بدورها بلوحات إشهارية تحرض فيك الرغبة في اقتحام مجهول صحرائها. قبل محاميد الغزلان يستوقفك المرشدون إلى طريق المهربين الوعرة، "من هنا"، يقول عمال بناء. طريق في طور التعبيد، تلتقي عندها عدة طرق لا تطاوع أي نوع من السيارات الخفيفة، "المسالك وعرة، ولا يخبرها كل أبناء المنطقة، فقط سكانها يعرفون كل الممرات التي تؤدي إلى صحارى الرشيدية ومواقع التهريب الحقيقية" بعيدا عن مسالك وزارة التجهيز. قبل شق الطريق، إذن، إلى محاميد الغزلان، ينعطف المرشدون إلى طرق شبه مهجورة إلى تغبالت وميرد وتازارين على بعد بضعة كيلومترات من زاكورة، في انتظار رحلة أخرى إلى "الشكاكة" و"البوطية" و"عرق السمر". وحين تدرك أنك وحدك تهيم في هذا التيه تصطدم بعمال بناء ملثمين يخفون رؤوسهم ووجوههم من لفح قاس، يخرجون أجسادهم المنهكة من وراء "عجاجات" متوالية، تخلط أوراق المعبر، وتحاول جاهدة رد زوار المنطقة إلى الوراء، لكن آثار السيارات رباعية الدفع و"لاندروفيرات" تؤكد أن هذه الخريطة العصية تذعن لشرو ط المهربين وتوفر عليهم مشقة الخوف من حملات أمنية مفاجئة. "ليلا،...نعم بالليل في أكثر الأوقات يمرون من هنا، أما إذا كان الجو عكرا فإنها الفرصة المناسبة لهم"، يقول عامل بناء، قبل أن يواصل "ماذا يحملون؟ سولوا الجدارمية...أنا ما عارف والو"، ينسحب العامل ليختبئ من شمس متوحشة ومن أسئلة فتحت شهية آخرين "شوفي هاذ الطريق خاصة ميرد ديما تيدوزو منها، وعاد هاذي شي يامات لقاو الناس واحد "لاندروفير" محروقة فيها الكوكايين، إلا مشيتو من لهيه غادي تلقاو الطوموبيل باقيا وإلى سولتو الناس غادي ما يجاوبكومش، حيت شحال من واحد منهم سرق الكوكايين وخلا الشيرا محروقة حتى جمعوها الجدارمية على خاطرهم"، الشهادة نفسها تزكيها شهادات أخرى، وتعطيها مصادر مطلعة وجها مبتسما فتقول "لا أبدا ليس هناك أثر للكوكايين، بل عمد المهربون إلى إحراق المخدرات والسيارة بعد أن علموا أن طريقهم إلى تهريبها مسدود. وخشية أن يفتضح أمرهم أحرقوا كل شيء، والمعاينة تثبت ذلك". قبل السيارة المحروقة كانت قضية مستثمر سياحي في المنطقة تأخذ أبعادا كبيرة وترسم علامات الاستفهام، كما تعطي قراءة جديدة لمسارات التهريب وأبطاله في المنطقة، "معلوم شدو عندو الحشيش، حيت الأبحاث ديال الدرك بينت أن السيارة ديالتو كان كيستغلها في السياحة"، تقول مصادر مطلعة قبل أن تضيف بسخرية "لم تحكم بعد المحكمة في القضية، لكن عوض أن يحصر السؤال في السيارة، يجب أن يسبقه سؤال من أين لك هذا؟ فجميعنا يعرف أن الرجل ليس الوحيد الذي راكم ثروة حقيقية من لا شيء، وفي ظرف وجيز جدا، وكلنا يعلم أن السياحة شبه ميتة في المنطقة خاصة في السنوات الأخيرة، التي نشط فيها التهريب، والسؤال المرطوح اليوم هو لم مازال بعض المستثمرين في القطاع يراكمون الثروات؟ من أين لهم بذلك ومنهم المستثمر المتهم في هذه القضية؟". قصة التقاء خطوط السياحة بتهريب المخدرات لا تتردد على لسان واحد، بل تتحول إلى شهادة تتقاسمها عدة جهات، "حوالي 75 في المائة من الشركات السياحية في المنطقة منها التي تصرح بعملها والتي تعمل عشوائيا فقدت زبناءها مع الأزمة السياحية التي تضرب المنطقة، لكن الغريب أن التي تأتي منها من مراكشوأكادير، بل من الحسيمة وتطوان ومدن أخرى تبدو بصحة جيدة، أبناء المنطقة جمعوا خيامهم وأغلقوا محلات استقبال زبنائهم فيما هؤلاء موجودون بشكل دائم، ألا يثير فيكم الأمر ولو سؤال؟ ما السبب؟ أكرر إذا كان أبناء المنطقة أفلسوا فكيف يعقل أن يصمد دخلاء على السياحة في المنطقة إذا لم تكن هناك نشاطات أخرى تضع السياحة غطاء لها، والدليل على ذلك قضية المستثمر التي مازالت تروج في المحاكم".
مسالك... العبور إلى تغبالت عبر "البور" و"لعراك" على حد تعبير صحراويي المنطقة ليست طيعة، ولا يمكن مجاراة عنادها إلا بالرهيبة "لاندروفير"، التي ترفس الحجارة الفحمية وتراوغ ضباب الزوابع، قبل أن تتوقف عند عدة نقط التقاء تشكل موقعا ممتازا لتبادل الشحنات، وهنا يقول أحد المطلعين على مسارات وأسرار التهريب في المنطقة، ومقرب من أفراد يمتهنون تهريب المخدرات والسلاح، "كنا ننظر إلى التهريب هنا بشكل عاد، بل ومألوف، طبعا لأنه لم يكن يمس الحالة الأمنية للبلاد، وكنا نعلم أيضا أن مراقبته تتم عن بعد، وربما بموافقة أحيانا، وبتواطؤ أحيانا أخرى، بل حتى سكان المنطقة والذين يبحرون في الصحارى لأغراضهم الخاصة، كونوا علاقات وجسروا ثقة بينهم وبين المهربين، إلا أنه اليوم لم يعد المجال يسمح بالمراقبة عن بعد، بل فتح المجال أمام أبناء المنطقة ليصبح التهريب مهنتهم اليومية، والسبب هو تهريب السلاح" يقول المصدر، قبل أن يضيف "في السابق كان أبناء المنطقة يعملون مع الشركات السياحية، مقابل 200 درهم لليوم على الأكثر، وكان تهريب السجائر لا يستهوي أحدا، إذ لم يكن المبلغ مغريا من أجل المخاطرة، لكن اليوم سال لعاب الكثيرين، وأقصد الشباب، فالبطالة تنخرهم من جهة والمهربون يشرعون أمامهم أبواب الكسب السريع، إذ يمكن أن يصل أجرهم عن عملية واحدة إلى 3000 درهم في اليوم، وهم طبعا يعرفون أن الأمر لا يتعلق فقط بالمخدرات، بل ينقلون الشيرا عبر الجمال ويعودون بالكوكايين والسلاح". قبل أيام حجز درك أرفود رشاشي كلاشنيكوف في عملية أصيب فيها مهرب، وبعدها بأيام قليلة أردى جنود مهربا في العشرينات من عمره بالرصاص، "هي عملية تبين أن الأمر فاق كل الحدود، خاصة إذا علمنا أن ثمن المسدس وصل قبل هذه المواجهة النارية بين الجنود والمهربين إلى 5000 درهم و"الكلاشنيكوف" تراوح سعره ما بين 10 آلاف و15 ألف درهم، ليرتفع السعر بعد العملية مباشرة إلى 30 ألف درهم ل"الكلاشنيكوف"، وهذا يعني أن التهريب قد يواجه صعوبات أيضا إذا كان هناك حزم في مواجهته، لكن مادام هناك متواطئون فإن السوق السوداء للسلاح بالمغرب ستغرق". يسجل المصدر بيقين، قبل أن يستدرك "تمت أيضا عمليات تصفية جسدية فيما مواجهات بين مهربين، لكن الجميع ينظر إلى الأمر من زاوية جرائم قتل عادية، في حين أنه يقف وراءها أباطرة مخدرات من العيار الثقيل. وهو ما حاولت "الصباح" التأكد منه عبر دق أبواب عائلات الضحايا، لتجدها موصدة في وجهها. لقلق وخوف مجموعة من المصادر من المنطقة تبرير قوي يجعلهم يرصدون مسارات التهريب ويخاطرون بأنفسهم لفك رموزه، "السياحة..أجل السياحة...سنقضي على كل فرصة، حين سينتهي بنا الأمر محاصرين بمهربين، فحين تقل مثلا سياحا إلى قلب الصحراء تصادف سياراتهم ودراجتهم العملاقة وجمالهم محملة بصناديق المواد المهربة، وطبعا السياح يدركون فورا طبيعة العمل الذي يمتهنه هؤلاء فيجزمون أنهم لن يرجعوا مرة أخرى إلى هذا المكان، بل منهم من يسأل بفزع هل دخلنا إلى صحراء الجزائر، والحال أننا في قلب صحرائنا التي كانت آمنة حتى وقت قريب". حتى وزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري لم يخف قلقه وهو يتحدث قبل أيام إلى الموفد الخاص للرئيس الروسي في ختام مهمة مقتضبة قام بها إلى المغرب. إذ عبر عن مخاوف المملكة من تطور العمليات الإرهابية في منطقة الساحل، كما ناقش مع المبعوث الروسي سبل مكافحة هذه العمليات التي تحظى بدعم عصابات المهربين التي تنشط في المنطقة. عدا خطر الإرهاب فإن التهريب لا يزعج موريتانيا ولا الجزائر ولا مالي، لكنه يؤسس لمشروع كارثة في صحارى المغرب الشرقية. بعد العجز عن مجاراة خريطة التهريب الملتسبة والوعرة في المسالك الرابطة بين زاكورة والرشيدية، خاصة عندما يشتد عنف الزوابع الرملية، نكتفي بشهادات السكان، منهم بدو رحل، وعمال بناء وفعاليات مجتمع مدني تتابع الموضوع عن كثب، وإحصائيات محجوزات الدرك حتى وإن كانت تنظر إلى الموضوع بتفاؤل، وتهمل قراءة خريطة التهريب ثلاثية الأضلاع.
محاميد الغزلان... وحدها محاميد الغزلان تتأخر في الاستيقاظ، ووحدها لا تعبث بعقارب الساعة، وحتى جري المرشدين السياحيين يبدو ثقيلا وهم يعترضون سيارة الوافدين الجدد، مرددين «الشكاكة»...»الشكاكة»...، ويقصد الشباب الذين لفحت وجوههم أشعة الشمس، إلى منطقة سياحية في قلب صحراء محاميد الغزلان. وهم يقودون إلى مشروعهم السياحي على مقربة من طرق المهربين، يعتذرون عن الأزبال المتراكمة التي تخدش لون الرمال الذهبي، بقطع بلاستيكية سودءا، «السياح الذين يرافقهم مرشدون غير محترفين يتركون نفاياتهم في كل مكان». تشق السيارة رباعية الدفع الكثبان الرملية والطرق الوعرة وأكوام حجارة تستخدمها الطبيعة الصحراوية لرجم المتطفلين عليها، لذلك لا يجب أن يزعجك صوت ارتطامها العنيف بهيكل أو زجاج السيارة. لا يأبه المرشدون إلى الظلمة التي تطبق فجأة، بل يشقون طريقا تبدو كل الطرق الأخرى مشابهة لها، ويخترقون مدى لا يتميز هو الآخر عن أي أفق، لكن خبرة المرشدين لا تخطئ الطريق ولا الكثبان ولا أشجار «تورزا» التي يحذرونك من لمس سوائلها لأنها تفقد البصر، ولا السحالي ولا الخنافس التي تتسابق في فنتازيا عجيبة. قد تفهم وأنت تشق هذه المتاهة أن وسائل الدولة في مواجهة إرهاب التهريب ضعيفة جدا، في مقابل توفر المهربين على آليات وأجهزة متطورة جدا، عدا استغلالهم خبرة أبناء وجمال المنطقة بجغرافيتها العنيدة، فإن كان مهربو السلاح في الشمال يلجؤون إلى تفكيك القطع ودسها في أكوام الملابس المستعملة، فإنهم في الصحراء الشرقية يهربونها داخل صناديق مكشوفة وبأعداد مهمة. بضيق يرد المرشد على سؤال مفاجئ، «والله ...اضْرٍيكْ المنطقة كاسدة، والشباب ما عندهم بديل»، يصمت كمن يفكر في مراوغة ما، قبل أن يقول «مراقبة هذه الحدود والمدن المجاورة لها مشكلة حقيقية تواجه الجميع، نسمع عن تهريب السلاح في السنوات الأخيرة، بل في هذه السنة بالضبط، وفي الفترة التي اشتعلت فيها ليبيا، لكن لم أر سلاحا قط، إنما رأيت المهربين مرارا، ورأيت صناديقهم وعلبهم الكارتونية، بل إن هناك شبابا كانوا يشتغلون لصالحنا في نقل السياح على الجمال، أصبحوا يهيمون في الصحراء للعمل لصالح المهربين، هذا طبيعي لأن كل واحد يبحث عن الربح». بدو رحل على الطريق يؤكدون أن الأمر لا يقتصر على المغاربة فقط، بل هناك جزائريون وماليون وليبيون، «إنها شبكة كبيرة تضم عدة جنسيات، أما من يقف وراءها ويسهل أمورها هنا، فالله أعلم». الغالبية الساحقة تواجه السؤال بتجهم، قبل أن تقرر البوح «ارتفاع درجة الحرارة ووعورة المسالك، والبطالة وشساعة المساحات غير المراقبة ليلا على وجه الخصوص، بل إن هناك اتكالا على «رادار» الجيش بشكل أعمى، ماذا تريدون أكثر من ذلك، نعرف شبابا يملكون هواتف متطورة جدا، من أين لهم بها، ودراجات يغيرونها بين عشية وضحاها، وسيارات يتخلصون منها أحيانا وكأنها نفايات». من «الشكاكة» التي تلبس ثوب السياحة الصحراوية إلى البوطية فعريك السمر التي لا يخفي بدوها الرحل أنها نقطة جيدة لرسو سيارات المهربين ودراجاتهم لتبادل أحاديث قصيرة وكميات كبيرة تحملها الإبل، «صدقيني إذا قلت لك إن حوالي 400 جمل عملت في تهريب المخدرات والكوكايين مجيئا وذهابا خلال أربعة أشهر فقط، ونعلم جيدا أن هناك رجال سلطة متورطون، وهذا بالضبط ما يشجع أبناءنا على العمل في هذا المجال». يقول مصدر مطلع من المنطقة. قد تلتقي في طريقك بسياح مزهوين بركوبهم على سنان الإبل، وقد تلتقي دراجات نارية يركبها رجال ملثمون لا يترددون في إلقاء التحية بحسانية واضحة، وقد تلمح سيارة «لاندروفير» تخلف الغبار والحجر، لكن بكل تأكيد لن تصادف أي مراقبين، ولن يزعجك سؤال أي واحد منهم إذا قضيت يومين في قلب الصحراء تجوب في تقلباتها دون أن يكلفك ذلك سؤال «منين جيتي...فين غادي...» كإجراء أمني احترازي يفترض أن يتم في كل الأماكن التي تستقبل يوميا زوارا يوميا من عدة جنسيات. حملات محتشمة... حتى وإن كان رجال حسني بنسليمان يواجهون الأمر بحزم، فإنهم لا يأخذون القضية بحجمها الحقيقي، كما تشير إلى ذلك محدودية العمليات التي قاموا ويقومون بها، والتي لم تفض، إلا إلى حجز كمية ضئيلة بالمقارنة مع ما يهرب يوميا عبر ثالوث التهريب الجديد (طنان ونصف خلال السنة الجارية وثلاثة أطنان ونصف خلال السنة الماضية). فإن كانت مصادر مطلعة تتمسك بأن الكميات المحجوزة هي كل ما تبقى لدى المهربين، وأن ضبطها بسهولة هو مؤشر على أنها سلعة متراكمة تبحث عن منفذ بطريقة انتحارية، وأنه بمجرد أن ينتهي المخزون ستعود الأمور إلى حالتها الطبيعية. فإن عمليات التهريب المتواصلة تضعف هذا التحليل. ولتعطي المصادر ذاتها لشهادتها قوة أكثر تلوذ برموز الكميات المهربة، والتي عادة ما تكون مختلفة إذا كان الأمر يتعلق بعدة مهربين، لكن «إذا كان المهرب واحدا والمخزون واحدا فإنه يحمل رمزا واحدا وأرقاما واحدة تشير، حسب لغة المهربين إلى صاحب هذه المخدرات والجهات الموجهة إليها، وحتى الآن كل المحجوزات تشير إلى أن هناك مهربا واحدا، يستغل أبناء المنطقة من زاكورة والراشيدية في تصريف كمية علقت في مخزونه نتيجة العمل المتواصل لكافة الأجهزة، خاصة أن هناك رادارا يكشف كل صغيرة وكبيرة تعبر الحدود». الوقائع وحكايات سكان الصحارى وشهود الفضيحة تبصم على حقيقة مغايرة، وهي أن ما حجزه دركيو الرشيدية وزاكورة هو الحصة التي قدمها المهربون طواعية لإنقاذ ماء وجه رجال يمشطون المسالك الوعرة ويواجهون العواصف الرملية، لكنهم يعودون خائبين، «قد يقوم درك الرشيدية أو زاكورة بحملات حقيقية، لكن وسائل المهربين أكثر تطورا من عدة رجال بنسليمان المتواضعة، لأن هؤلاء لا يشتغلون بالجمال فقط، بل بسيارات رباعية الدفع و»لاندروفيرات» ويستعينون بمرشدين يخبرون الصحارى وتقلباتها، كما يستغلون البدو الرحل، ولهم أيضا مخبرون في كل مكان، بل لديهم المختصون في مراقبة الدرك والأمن والجيش، ويعلمون بكل صغيرة وكبيرة، كما أنهم يتابعون كل الحملات ولا يقومون بعملياتهم إلا بعد أن تنتهي الحملة، كما يستغلون التقلبات المناخية في الصحراء». كل ذلك تبرير يفقد بعض حمولته عند زيارة الأماكن التي تعبرها قوافل التهريب عبر زاكورة، إذ رغم أن الطريق قد تبدو موحشة مقفرة...فإنها ليست مستحيلة على عمليات يومية لمطاردة المهربين، خاصة أن السكان لا يترددون في ذكر أسماء بعضهم، ومنهم من يشير صراحة إلى بعض السياسيين بين زاكورة وأكادير المتورطين في التهريب الدولي للمخدرات. إنجاز: ضحى زين الدين