محمد بكريم: رئيس الجمعية المغربية للدراسات السينمائية عملنا يجمع بين ما هو نقدي وصحافي وأكاديمي في حوار جريدة القدس أجرى الحوار: حسن وهبي عرفت الساحة الثقافية السينمائية يوم 16 تموز/يوليو 2011 تأسيس الجمعية المغربية للدراسات السينمائية تحت رئاسة الكاتب والصحافي والناقد السينمائي محمد بكريم والتي تحمل تصورا جديدا لتداول السينما والعمل الثقافي السينمائي وأسلوبا مغايرا في الاشتغال والتدبير الجمعوي السينمائي وعلى المادة الفيلمية. لكن أسئلة كثيرة تراود المهتمين نحمل بعضها لمعرفة ظروف تأسيس هذه الجمعية ومشروعها الثقافي السينمائي في ظل الظروف الدولية والوطنية الجديدة. ووسائل اشتغالها وكذا إضافتها للحقل النقدي السينمائي بالمغرب وبالقارة الأفريقية. ثم علاقتها بالمجلة السينمائية المتوقفة 'CINEMAG'.كل هذه الأسئلة وغيرها حملناها إلى رئيس الجمعية في مدينة خريبكة أثناء انعقاد الدورة 14 لمهرجان السينما الأفريقية من 16 إلى 23 تموز/يوليو 2011.فكان الحوار التالي: * ما هي مبررات ودواعي ظهور الجمعية المغربية للدراسات السينمائية كجمعية جديدة في الساحة الثقافية السينمائية بالمغرب؟ * فعلا يمكن السؤال عن أسباب النزول كما يقال هنا والآن. أظن أن هناك ظروفا ذاتية وظروفا موضوعية. سأبدأ بالظروف الموضوعية حيث أصبح الكل يشهد بالحركية العامة التي تمس المجتمع وتمس البنيات الثقافية والسياسية وغيرها بما فيها السينما. ومما يفرح أن السينما كانت سباقة لإنتاج وطرح قضايا في الأفلام بل أقول سباقة في تحريك بعض المواضيع وفي معالجتها ومقاربتها. وأحيانا بشكل سجالي. وبالتالي أصبحت السينما اليوم وفي المغرب المعبر الأول عن الخيال الجماعي بشكل فني للمجتمع المغربي. ولكن المفارقة مع الأسف هي أن هذا الحراك السينمائي وهذه الدينامية تعاني من نوع من العجز فيما يخص المتابعة النقدية والمتابعة الرصينة. وكذا تأسيس خطاب مرافق يستمد مشروعيته من السينما ومن نظرياتها وأيضا من القضايا الكبرى للمجتمع المغربي ليربط هذه الأفلام بهموم المشاهد المغربي وهو المعني بهذه الأفلام. إذن كان هذا المعطى الأول مطروحا لدى مجموعة من الملاحظين ونحس بذلك وبشكل اكبر حينما يلاحظ المسألة الملاحظ الأجنبي أو يسأل عن كتاب حول السينما المغربية وعن بعض القضايا المعالجة في السينما المغربية. وقد لوحظ كذلك اهتمام فيما يخص تتبع قضايا السينما في المغرب. خصوصا إذا علمنا أن بعض الأفلام شكلت ليس فقط حدثا سينمائيا بل خلخلة لما يسمى بالمجال العمومي خاصة في عشرية هذه الألفية بحيث كانت هناك أفلام قوية. ومع الأسف أثارت جدلا سياسيا أحيانا داخل البرلمان ولكنها لم تنتج مقالات كبرى. هذا على المستوى الموضوعي. أما على المستوى الذاتي فقد كان هناك إحساس عند مجموعة من الأصدقاء أنهم في حاجة إلى إطار يجمعهم لتبادل الخبرة وتبادل المعلومات بشكل حميمي خارج الندوات واللقاءات الرسمية في المهرجانات لخلق قنوات لتبادل المعلومات والخبرة وتسهيل الانتقال بين الأجيال. وهذا ما هو شخصي بشكل أساسي والذي يعاني فيه المغرب من سوء التفاهم بين الأجيال وأحيانا غياب الحوار بين الأجيال. وأظن أننا في هذا البلد راكمنا تجربة مهمة من المفيد أن تكون هناك أداة للربط بين هذه الأجيال وانتقال المعرفة والمعلومة والتجربة من جيل لآخر. فعلا هذه قراءتك للظروف الموضوعية والذاتية. ترى ماذا عن تجربة جمعية 'أفلام لنقاد وصحافيي السينما'، وهي تختلف عن التجربة التي انتم بصددها؟ * شكرا سنتجه منحى الصراحة والحديث الأخوي ما بين الأصدقاء في هذا الميدان. فعلا كانت هناك تجربة سنة 2004/2005 حول جمعية أفلام والتي كان هدفها أيضا محاولة الجواب على نقص كان في الساحة وهو الفرق المصطنع بين الصحافيين والنقاد السينمائيين. وأنا شخصيا كنت ضد هذا التقسيم لأنه أولا غير مفيد، وثانيا غير مؤسس نظريا، علما أن النقد السينمائي هو جنس صحافي في الأصل. وفعلا لقيت هذه التجربة حماسا كبيرا ولكنها كانت ضحية معركة فيلم 'ماروك' الذي أثار جدلا كبيرا في المغرب وكانت من ضحاياه جمعية أفلام لنقاد وصحافيي السينما التي تعرضت للقصف وأحيانا بشكل عشوائي من بعض الأصدقاء. وقد كانت الجمعية قد اخذت موقفا مساندا لفيلم 'ماروك' بل سلمته جائزة الصحافة في مهرجان السينما الوطنية لسنة 2005. وتعرض اثر ذلك لقصف عشوائي. وكانت نقاشات وجدل كبيران اديا إلى توقف الأصدقاء. وبحكم أنني كنت في الجمعية بشكل ثانوي نظرا لوجودي واشتغالي بالمركز السينمائي المغربي، فلم يكن بإمكاني التواصل وإحياء هذه الجمعية وخاصة أنها كانت تجيب على ضرورة أخرى قارية إن صح التعبير. لأنه كان في تلك المرحلة نقاش على مستوى افريقيا لتأسيس الجامعة الافريقية للنقد السينمائي. لكن ما خلفته معركة فيلم 'ماروك' على المستوى النقدي والصحافي والجدل الذي أثارته في الأوساط السينمائية جعل الجمعية تتلاشى وتضيع تلك الفرصة الذهبية لجمع الشمل بين النقاد والصحافيين السينمائيين، ولطرح إطار يجمع ما بين مختلف الأجيال ونوع وأساليب الكتابة لكي لا يكون للنقد السينمائي نوع من الطائفية لها طقوسها فقط وعاداتها المغلقة أحيانا، فكان الطموح أن تكون مفتوحة. والآن فالجمعية المغربية للدراسات السينمائية ليست بديلا عن جمعية أفلام أو جمعيات أخرى، بل جاءت نتيجة نضج ظروف جديدة في الربط بين ما هو نقدي وصحافي وجامعي. * أكيد أن لهذه الجمعية مشروعا يتوافق مع الظروف التي ذكرتها قبل قليل موضوعيا وذاتيا. ما هو مشروع الجمعية إذن؟ * نظرا لما راكمه المغرب في الميدان الجمعوي أو كأشخاص غير هذه الجمعية التي تضم أعضاء من مواليد الخمسينات والثمانينات، أي أن هناك روادا شبابا وما بين الجيلين. وانه علينا أن نستفيد من هذه التجربة المتراكمة ونستفيد أيضا مما وصلت إليه العلوم الإنسانية فيما يخص التدبير والتسيير وتنظيم الندوات واللقاءات وغيرها. وأيضا ما سمحت به الثورة الرقمية من تواصل وتشجيع أساليب جديدة في اللقاء. فمثلا : من بين النقاط المتفق عليها هو أنه لن يكون هناك اجتماع للمكتب بشكل روتيني بل سيكون الاجتماع مفتوحا وحول قراءة كتاب أو قراءة فيلم أو مقالة نقدية ....لكي لا نسقط في الإعمال الروتينية العادية. كما سنشتغل على برنامج سنوي ونصف سنوي. بالإضافة إلى الأهداف الاستراتيجية وعلى أساس الانفتاح على المؤسسات التي أظن أنها مستعدة للتعامل. وقد وصلتنا أصداء ايجابية جدا بمجرد الإعلان عن هذا المشروع سواء لدى المهنيين أو المؤسسات التي تشتغل على الثقافة السينمائية. والأساس هو أنها جمعية مفتوحة جدا وأساليب عملها كذلك. أي أنها ليست بديلا لما هو موجود في الساحة بل هدفها تجميع طاقات لأن السينما عالم جميل ويمكن أن يساهم في تقديم صورة عن المغرب الذي نطمح إليه جميعا. * هل لديكم تصور حول كيفية العمل على قراءات وجعل النقد يواكب هذا الزخم من الانتاجات السينمائية كما ذكرت؟ * فعلا سيكون في مركز اهتمامات الجمعية العودة إلى النقد السينمائي بما يعنيه مقاربة الأفلام. لأننا لاحظنا في التجربة المغربية أن النقد السينمائي اتخذ منحى لإنتاج خطاب حول السينما وليس خطابا حول الأفلام السينمائية. ونحن نسعى إلى أن نتكون جميعا لأنه ليس هناك أساتذة أو دروس في هذا المجال. لكن هناك إحساس بنقص معين نريد أن نتجاوزه وننتقل من الأفلام إلى إنتاج خطاب حول السينما وليس العكس لان هناك تضخما نظريا وإنتاجا نظريا حول السينما بالمغرب، في حين هناك نقص فيما يخص المتابعة اللصيقة بالأفلام لكي نخرج منها بمادة نظرية حول السينما. وهذا طرح استراتيجي. إذ ليس هناك مفتاح سحري، ولكن وعي بضرورة الانطلاق من الأفلام للبحث عن السينما داخل هذه الأفلام وبالتالي إنتاج خطاب عام حول السينما. * ماذا عن العضوية بالجمعية وما هو تصوركم للعضوية كمؤسسة تهتم بالدراسات السينمائية؟ * هناك عدة مستويات للعضوية بالجمعية أولها بعض المقاييس الموضوعية التي يؤسسها القانون المنظم للجمعيات كالاعتراف بالقانون الأساسي واحترام ضوابط الجمعية. كما ان هناك مقاييس ثقافية وفكرية وهي أن يكون هناك إنتاج وللمرشحة أو المرشح إسهام حقيقي في إنتاج خطاب حول السينما. وستكون هناك مقاييس محددة سننشرها في القانون الداخلي للجمعية، لكي نرتقي رويدا رويدا نحو أن تكون هناك مسؤولية شخصية تجاه الانتماء إلى الجمعية وليست الجمعية هي المسؤولة عن انتماء الشخص بقدر أن يكون الإنسان واعيا بأن انتماءه للجمعية يفرض عليه مسؤولية المتابعة والقراءة والمقاربة. ولهذا طرحنا كمبدأ أولي في اجتماعاتنا أن تكون دائما مرافقة بعمل وإنتاج حول السينما لكي لا نسقط في العمل الروتيني للجمعيات التي يصبح الهدف هو الانتماء إليها. في حين أن الهدف هنا يكون الانتماء وسيلة فقط لتفعيل ما يشتغل عليه الناقد السينمائي. لأن أغلبية الأعضاء لهم مواقعهم في أماكن مختلفة وبالتالي فان الجمعية ليست إلا إطار لتجميع هذه الطاقات. * ماذا عن مجلة 'سينماغ' (CINEMAG) التي توقفت عن الإصدار؟ * ستكون 'سينماغ' في صلب اهتمامات أعضاء الجمعية وليس اهتمام الجمعية. لا نريد أن تكون ملكا للجمعية ولكن أعضاءها سيكونون غيورين عليها كما ستكون محكا لإنتاجيتهم بالإضافة إلى كونها مفتوحة لجميع من سيكتب عن السينما في المغرب ومن يحب السينما بهذا البلد سواء كان عضوا في الجمعية (AMEC) أو لا. بل بالعكس فالمجلة مختبر لطرح هذه المشاريع التي ستشتغل عليها، ولن تكون ناطقا رسميا للجمعية كما لن تظل محصورة على أعضائها فقط. بل ان 'سينماغ' في ملك جميع من يحب السينما في المغرب كما أشرت ويود أن ينتج خطابا حول السينما. * وبخصوص هيئة التحرير. هل ستتغير؟ * هناك تعديل بسيط في تركيبة 'سينماغ'، بحيث أنه سأكون متفرغا من الناحية الإدارية أكثر للعمل في النقد السينمائي وفي المجال الثقافي، ستكون لي مسؤولية أكبر فيما يخص الإشراف على المجلة. وأما هيئة التحرير ومع الأسف فقدنا صديقنا نور الدين كشطي. ولكن هناك نفس الأصدقاء الذين كانوا يتعاطفون مع المجلة على أساس أنها ستكون هذه المرة مزدوجة اللغة. وستكسب أصدقاء جددا وأقلاما نقدية أخرى إذ ستكون 'سينماغ' رهن إشارتهم،علما أنه سيكون هناك حرص على نسيج تحريري داخل المجلة لتكون الأفلام هي المبتغى والمنتهى بالنسبة للمجلة. * لاحظت بالأمس أنكم عقدتم لقاء مع بابا ضيوب رئيس الجامعة الافريقية للنقد السينمائي. أين وصل هذا التواصل؟ * فعلا كان اللقاء الأول مع بابا ضيوب وهو لقاء أولي تم فيه تبادل الأخبار. لأن الجامعة الافريقية للنقد السينمائي تمر بمرحلة دقيقة نظرا للظروف الموضوعية التي تعرفها افريقيا ونظرا لبعض المشاكل التي يعاني منها النقد السينمائي على مستوى كل بلد. وقد اطلع السيد الرئيس على الوضعية الجديدة في المغرب. بأن هناك جمعيتين للنقد السينمائي بالمغرب. وبالنسبة للجامعة الافريقية للنقد السينمائي فإن معطى وجود جمعيتين هو إضافي وليس مشكلا . كما عبرنا من جهتنا على استعدادنا بأن نساهم في العودة الجديدة للجامعة الأفريقية. علما أن الأقلام المغربية كانت من أنشط الأقلام في الموقع الالكتروني التابع للجامعة ولكن في السنوات الأخيرة مع الأسف غاب هذا النشاط وهذا الحماس. إننا سنشتغل بكل موضوعية وانفتاح مع الطاقات الأخرى لان المغرب يمكن أن يلعب دورا رائدا في عودة الروح إلى الجامعة الافريقية للنقد السينمائي. *كلمة أخيرة للناقد السينمائي؟ *أتمنى للناقد السينمائي المغربي أولا وعلى المستوى الذاتي أن تتوفر له إمكانيات وشروط الاشتغال لان هذه الشروط والإمكانيات في الحقيقة هي التي تؤثر على أدائه. ولكن أيضا أتمنى أن يقترب أكثر من القضايا التي تخترق السينما المغربية وأن يتم الاجتهاد في اكتشاف أدوات جديدة لتفعيل هذا الحب وهذا الاهتمام بالسينما، خاصة وأننا اليوم ونحن نتحدث في خريبكة نرى مدى الحماس لدى الجمهور واستعداده للعودة إلى القاعات السينمائية. وأظن أن للنقد السينمائي دورا أساسيا واستراتيجيا في هذه المرحلة