كثر الحديث هذه الأيام على صفحات الاعلام المكتوب والمواقع الاجتماعية حول برامج شهر رمضان على شاشات القنوات التلفزية المغربية، وازدهر النقد اللادع لما يقدم من سيتكومات ومسلسلات وبرامج اخرى إلى درجة التخمة، وسارع البعض الى إنشاء مجموعات على الموقع الاجتماعي فايس بوك، الغرض منها مناقشة ما تقدمه القنوات التلفزية المغربية للمشاهدين خلال الشهر الكريم، وانتقادها الى حد التطرف. وبناء على ما اطلعت عليه من كتابات نقدية، متطرفة حد السخرية، حول الانتاجات الرمضانية المتلفزة، أجدني لا أتفق مع أصحابها لانها كلها انتقادية سطحية ونابعة من إرادات، صحيحة انها كلها حسنة وترغب في الأفضل، لكنها إرادوية متطرفة، لا تدرك المعادلة الصعبة للأنتاج التلفزي الخاص بهذه المناسبة الدينية والاجتماعية والثقافية. ويعتقد الكثيرون ممن ينتقدون البرامج التلفزية الرمضانية ان المسألة سهلة، وتكمن في إرادة القائمين على إدارة القنوات التلفزية والمتعاقدين معهم من منتجين ومخرجين وغيرهم، وهكذا نجد من يلوم المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة ومن يحمل المسؤولية للمخرج والممثل أو المنتج..دون التفكير في عمق المشكل ودون إدراك صعوبة الموضوع. إن أي إنتاج إبداعي مخصص لمناسبة معينة كمناسبة شهر رمضان الأبرك، الذي يعد من أكثر الشهر استهلاكا للتلفزة في بلدنا، يستدعي منا النظر بعمق إلى مشكل هذا الانتاج وإلى حل معادلة جد معقدة تجمع بين إرادات متابينة ومختلفة المرامي. فالمبدعون، على قلتهم، يرغبون في تحسين مستواهم ومداخلهم خلال هذا الشهر، الغزير الإنتاج مقارنة بباقي شهور السنة، والمؤسسات المنتجة والمنتجون عموما يبحثون عن الصدارة والربح، والمشاهدون على اختلاف أذواقهم يرغبون في الفرجة وبعضهم، النخبة منهم، يبحث عن الجودة والإبداع الخلاق، والمؤسسة الاعلامية، الشركة الوطنية، لها إكراهاتها ومشاكلها ولها إختلالاتها وتجاوزاتها. وسط هذا الكم الهائل من الإرادات والمشاكل المتداخلة بين مصالح كل جهة، بالإضافة إلى التدخلات من طرف لوبيات العلاقات، المعروفة في هذا المجال، تطل علينا تلك البرامج، الرديئة والجيدة منها، علما ان أكثر من 80 في المائة من المشاهدين من متتبعي هذه الرامج لا يشكون من هزالة مستواها الفني والابداعي، بل إن العديد من شركات الانتاج، الخاصة والعامة بما فيها الشركة الوطنية، لا تزال تؤمن بالشعار المصري الخالد "الجمهور عايز كيدا"، وهذه معادلة اخرى تهم المستشهرين، لان شركة الاشهار لا تريد جمهورا من النخبة والمثقفين، وهم من ينتقد كثيرا هذا الانتاج، بل تريد جمهورا من المستهلكين. والمعادلة بين الاستهلاك والانتاج صعبة، فالجمهور المغربي مستهلك من الدرجة الممتازة خاصة في رمضان، والمنتج يريد تسويق بضاعته لأكبر عدد من الجمهور، وكثرة الجمهور في بلدنا لا تزال تميل الى حركات "فهيد" والكاميرا الخفية التي تستبلد المشاهدين والمشاركين فيها، والنخبة القليلة تريد الجودة والابداع.. فما علينا وعليكم الا ب" التيلي كوموند".