تميز المغاربة منذ ارتضوا الإسلام دينا بعادات فريدة في استقبال شهر رمضان، واجتهدوا في إبداع ما يتناسب مع قدسيته عندهم، وتأقلموا مع أجوائه الخاصة من خلال عادات اختلفت من منطقة إلى أخرى ومن قبيلة إلى أخرى، لكنها احتفظت بقواسم مشتركة. وسنحاول في "هسبريس" رصد بعض هذه العادات من خلال ما تضمنته ك تب ومنشورات في الموضوع، وكذا من خلال الرواية الشفهية لعدد من شيوخ القبائل أوعدد من الفاعلين الجمعويين الذين التقينا بهم.
الحلقة الثالثة: أمازيغ سوس
في هذه الحلقة نقترح عليكم التعرف على عادات جزء من أمازيغ المغرب في رمضان، إنهم أمازيغ سوس.
السوسيون من أحرص المغاربة على الدين ويبدو ذلك جليا من خلال علاقتهم الوطيدة مع القرآن الكريم، وكذا مع رمضان شهر الصيام.
رمضان عند أمازيغ سوس مناسبة سنوية مهمة لقراءة وحفظ القرآن وفرصة لمراجعته من قبل الذين يحملونه في صدورهم. يبدأ أهل سوس إعدادهم لقدوم رمضان بتنظيف المساجد لتكون جاهزة لاستقبال المقبلين على صلاة التراويح، ثم يواصلون الاستعداد باقتناء ما يلزم لإعداد بعض المأكولات الخاصة في كل منطقة من مناطق سوس.
رمضان عند السوسيين ليس للأكل، إذ لا يتم إعداد إلا أكلات قليلة جدا، وأغلبها يتم تحضيرها بشكل سريع، معتمدين على مواد تخرجها أرضهم من زيت زيتون وزيت أركان ولوز وتمر، يستغلون نهارهم في قراءة القرآن، يوجهون أطفالهم إلى الكتاتيب في الشهر الفضيل، وفي عدد من مناطق سوس يتم الاحتفاء بحفاظ كتاب الله خلال هذا الشهر، وفق طقوس محلية تحتفل بالحافظ وتحفز من لم يحفظ بعد.
وجبة إفطار أهل سوس لا تتعدى حساء دقيق الشعير ويسمى عندهم ب"أزكّيف"، والتمر بالإضافة إلى القهوة والحليب، والفطائر المطبوخة على نار الجمر. بعد الإفطار يبدأ السباق نحو المساجد، في مساجد بعض السوسيين يتناوب أهل "القبيلة" الحاملين لكتاب الله على إمامة صلاة التراويح، وتعطى الفرصة للحفاظ الجدد. بعد انتهاء الصلاة يعود أهل سوس إلى بيوتهم ليكملوا السهرة على مائدة الشاي، في الوقت التي تعد فيه النساء وجبة العشاء والسحور، هذه الأخيرة لا تتعدى غالبا الخبز والسمن والعسل، أو نوع من الخبز يسمى "أغروم نتادونت".
لباس نساء سوس خلال رمضان يكون أكثر حشمة فلا تراهن إلا مرتديات قطعة طويلة من الثوب تسمى "تملحافت"، تستر الجسم كله، بدون زينة تذكر احتراما للشهر الكريم.
ومن عادات أهل سوس في رمضان أنهم "يحرمون" الأهازيج حتى ولو كان تراثهم المفضل "أحواش"، فلا غناء ولا سمر مهما كانت المناسبة إلا بعد انقضاء شهر الصيام.