تعد المرأة العنصر الأساسي في المجتمع، ولذا فأي منظومة تربوية أو سياسية أو اقتصادية وحتى إعلامية تركز على إشراك المرأة في جل المجالات، وتتعالى الصيحات من كل حدب وصوب بإعادة الاعتبار للمرأة وتكريمها وتعزيز مكانتها في المجتمع. لعل نظرة سريعة إلى المرأة عبر التاريخ نراها كانت هي قوام المجتمع ومحوره وهي من يجلب قوت اليوم، مما اصطلح عليها بالأسرة الاميسية، لكن ومع مرور الزمن وتعاقب العصور عرفت هذه الأخيرة ظلما وتهميشا واقصاء ليتعامل معها كشيئ يورث مع المتاع بعد موت الزوج، فانتشر الوأد وهضمت المرأة حقها، واعتبرت أداة لبلوغ النزوة والنشوة الجنسية أحيانا، لكن ومع مجيئ الإسلام عرفت المرأة طفرة نوعية لانظير لها ولا مثيل عبر التاريخ الإنساني، ليكون منها الطبيبة والمربية والموجهة والعالمة وحتى المستشارة، ويؤخذ برأيها، بل نبغت المرأة في العلم فعرفت الحضارة الأندلسية عددا لايعد من الشاعرات أمثال بغية المنى وعائشة وجواري السلاطين والخلفاء، بل نبغت في حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والفقه، كل هذا من رحمة الإسلام وعدله، فحتى في الزواج لابد أن يؤخذ برأي البنت قبل إبرام عقد الزواج فإن أبت فلا يعتد برأي أبيها. لكن في العصر الحاضر تعالت صيحات تنادي بتكريم المرأة وإشراكها في التنمية، هذه المناداة في غالبها إجحاف بحق المرأة لتنسلخ من أنوثتها وتركيبتها الفيزيولوجية البنيوية، من ناحية الإشراك في جو الحياة العام ومن ناحية السفور، فأما قضية الانخراط في الحياة العامة فهناك مجالات لا يمكن للمرأة أن تنغمس فيها وتشتغل، نظرا لكونها أنثى مكرمة لايمكن أن تشتغل في الأعمال الشاقة كأعمال البناء والصيانة وغيرها من المهن التي تتطلب بنية جسمانية قوية لتبقى هذه المهن من شيم الرجل ومهامه وخصائصه، أما من ناحية السفور وإن كان في ظاهره حرية ممنوحة لكن في باطنه يهدف الى النيل من شرف المرأة وعفتها. المرأة قوام المجتمع، ليست نصفه فقط، فهي أم وزوجة وكونها زوجة فهي مربية وأمينة سر وحافظة عهد وصانعة الأجيال، لذا اعتبرها الاسلام خير متاع وليس المتاع بالمفهوم المادي، ثم حرص على ضرورة اختيار الزوجة الصالحة وراهن على التدين والخلق ليس استغلالا لأنوثتها بل كونها المعول عليها في البناء الحضاري وإعداد الجيل وزرع فيها الله تبارك وتعالى العطف والحنان والرأفة لتحافظ على توازن المجتمع وتسهر على تماسكه الروحي، لذا يقال وراء كل رجل عظيم امرأة، وهذا صحيح، لأن المرأة هي من يهتم بشؤون الرجل في البيت ليخرج إلى المجتمع نقيا نظيفا مرتبا، سواء كان هذا ارجل قائدا أو اميرا أم حاكما أم استاذا أم قاضيان فلولا المرأة المجدة المجتهدة صاحبة القلب العطوف والعقل الحصيف لما عاش الرجل سعادته في بيته وعمله وبين أقرانه، لتوفر له الدفئ في البيت والسكينة والمودة، وتسهر على تربية أبنائه إعدادهم. إن يوما في السنة وحتى شهرا في حق المرأة إجحاف وظلم في حد ذاته، وليس الثامن من شهر مارس الذي خرجت فيه المرأة الفرنسية التي كانت تعاني من الاقصاء والتهميش والحرمان والظلم في عصر اصطلح عليه بعصر الأنوار، كافيا للاحتفاء والبرهنة على الحب والوئام لهذه القائدة العظيمة والمربية الجليلة، بل كل يوم يمر فهو عيد للمرأة، لأن كل يوم يولد فيه مشروع وتبنى فيه حضارة وتشيد فيه صروح، هو من إسهام المرأة الخلاق وتفاعلها المجتمعي في كل حين وآن. جماع الأمر، إن التفكير في إعداد المرأة وتأهيلها يتطلب تفكيرا عميقا وتخطيطا رصينا معقلنا، لما تشكله المرأة من محورية في المجتمع والعنصر الأساسي فيه، فلا يتخيل مجتمع من دون امرأة، لتسهر على الإعداد والبناء والتربية والتكوين والتأهيل للأجيال التي ستأخذ المشعل وتقود بالحضارة إلى الرقي، فلزم أن نجعل من المرأة المعلمة والمربية والموجهة والإعلامية والطبيبة والمهندسة وتنخرط في الشأن السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والعلمي والتكنولوجي، لكن دون إسفاف ولا سفور حتى تبقى مهابة الجانب مكرمة، دون إخلال بأنوثتها ولا مستغلة في رقة مشاعرها وأحاسيسها المرهفة وقلبها الطيب. Related posts: صديقي الحزين قطرة الدم لا ثمن لها سياسة إدارة الظهر تكسر الظهر