إذا كان التاريخ لم يلتمس العذر لمن أحرقوا مكتبة الإسكندرية ولا لجيوش الفرنجة عندما دكت الجامع الأزهر بسنابك الخيل، فكيف يلتمس حاضرنا العذر لمن ألقوا بخمسة عشر ألف كتابا كانت فى مكتبة تابعة لدار الكتب فى نادي النصر على قارعة الطريق. تلك المرة لم يأت العدو من الخارج فهذا هو زمن الاعتداء الداخلي فمن فعل تلك الفعلة – رئيس نادي النصر- طاوعه ضميره بإعطاء الأمر لأفراد الأمن بإلقاء ثروة فكرية وهدم مكتبة قائمة ليحولها إلى مخزن ، ذلك الرجل لم تردعه شهادة الطب التى يحملها ولا جنسيته المصرية التى يتنعم بها عن ازدراء الثقافة واحتقار الكتب. ولم يدر بخلدى وأنا طفلة أتابع بشغف رائعة الأستاذ / أسامة أنور عكاشة " الراية البيضا" والصراع بين السفير أبى الغار الرجل المستنير ومن حوله من الشرفاء مع فضة المعداوى السيدة التى لا تقيم وزنا للتاريخ ولا تعرف من قيمة الجغرافيا سوى الثمن الذى تأخذه من بيعها ولا تعي من مفردات اللغة سوى الأرقام . لم يدر بخلدى آنذاك أننى سأرى نفس الصراع على شاشة الواقع المر ، وحدها الأسماء تغيرت فالسفير أبو الغار أصبح الدكتور/ صابر عرب ، وفضة المعداوى صارت تحمل بكالوريوس الطب والجراحة العامة!!!!! مازلت أذكر مشهد النهاية عندما يقترب "بلدوزر" فضة المعداوى من قصر أبى الغار بكل ما يحمله من قيمة أثرية ومعمارية ليهدمه.. وأرى الآن آلاف البلدوزرات تتحين الفرصة للانقضاض على ما تبقى لمصر من قوة ناعمة وقيمة ثقافية ، ولكن مالا تعلمه قوى الهدم والظلام أن الشرفاء وهم مئات الألوف لديهم استعداد للجلوس أمام مقر دار الكتب ومكتباتها الفرعية فى القاهرة الكبرى ، ولن يبارحوا أماكنهم حتى يدفعوا الشر عن كل رمز مصرى أو يقضوا نحبهم وهم يدافعون عن قيمة مصر وحق شعبها فى المعرفة ، فما لا يعرفه الجاهلون أن جسد العلم وعقل الثقافة أقوى ألف مرة من مدافع الظلام.