لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحبس العوز انبجاس أنفاس المبدع التواق إلى الخير .. قد يحرج الفقر الإبداع إلا أنه لا يحجزه بالمرة ، و لا يلغي ألقه و توهجه .. إن ما يعيق الإبداع هو الجفاف الروحي و الحقد و الحسد .. و لقد ارتبط الإبداع عادة بالبؤس عبر تاريخ الفكر الإنساني و ظل مشهد المبدع في الذاكرة الجماعية ذاك الإنسان المهمش الذي يغمس قلمه في دواة الفقر ، لا تهمه تقلبات الأجواء الحياتية ، بل يحس برؤيته الفكرية حصرية لدى الآخرين فتتسع دائرة عزته و كرامته.. فعلى سبيل المثال ، ألم يخرج من رحم الفقر مبدعون غيروا وجه التاريخ و فتحوا فيه فصولا ، ألم يكن عمر بن الخطاب الذي حكم المسلمين من تخوم أذربيجان إلى المحيط فقيرا ، فيكتور هيكو صاحب رائعة البؤساء ، نشأ في مهاوي البؤس ..؟ ، ألم يعش غاندي الذي حرر الهند حياة المساكين ..؟! ، من أين أتى ملكي الكرة المتوجين بيليه و مارادونا اللذان ذاع صيتهما العالم و أطبقا كل الآفاق ألم يهيما على وجهيهما بأزقة ريودي جانيرو و بيونس أيرس من شدة الفقر..؟ .. و إنني ليحزنني و أكثر ما يحز في نفسي أنه من خلال عطائي الإبداعي على سبيل المثال يحاول و بكل ما أوتي من قوة من يسمي نفسه "بركمي" أن يجعل من ذاته جلادا لكلماتي المضيئة المجلجلة ، خاصة و أن طموحي كبير في إنقاذ ما يمكن إنقاذه مما يجري من فساد عبر البوح بالكلمة في ميدان التعبير و التعبير بكل حرية و الذي تكفله المواثيق الدولية و الربانية .. لكنني سائر في درب الإبداع في سمو و شموخ ، مؤمن أشد ما يكون الإيمان من أنني أصنع كلمات أغلى من ميزان الذهب ليس في حاجة إلى كنوز الدنيا في وقت أنني فقير و لو طرحت لي الجبال الرواسي من الذهب و الفضة فإنني لن أسترخص قلمي إلا لوجه الله .. مصرا على صنع الحياة و لو من فيافي الألم كوني خبرت طريق الإبداع مريرا ليس فقط في ميدان الكتابة و الشعر ، بل في فن الرسم و التشكيل و في الخط العربي .. و بالرغم من أيلام متاريس العوز و الفقر انضافت لها أسواط جلادي الكلمة ، فإن متعة الإبداع توسع من نطاق عباراتي و رؤيتي الفكرية .. و مهما حاول ذاك "البركمي" أن يهدم بمعوله إبداعي فإن ذلك لن يزعزع ملكة الكتابة في وجداني و لن يفقدني أبدا مهما حييت قوة تأثيرها ، بل يكبر في ذاتي الوهج الفكري و كرامة ملكتي الإبداعية فإنني أعتبر نفسي بمثابة الشمعة التي تحترق لتضيء الآخرين ، فإن الكاتب و الصحفي يعمل بصدقية من أجل نزع الأغلال التي تطوق أعناق البركمي و أمثاله و تجثم على صدور المضطهدين ، فالكاتب يمارس ملكته التي حباه الله بها بلا عبثية و لا اعتباطية ، بل بجد و صرامة .. و خير ما أختم به كلامي القافلة تمر و الكلاب تنبح..