,. د. قيسامي الحسين يعد القاص محمد مباركي من المبدعين المغاربة الذي بدأ نجمه يسطع بالتدريج في السنوات الأخيرة. يصور في قصصه الأحداث بنكهة السخرية والتلوين الأسلوبي الكاريكاتوري والإيجاز المكثف بحمولات مرجعية انتقاديه قوامها التهكم والتهجين، وتوظيف مستويات لغوية مختلفة من أجل خلق نص ساخر يفضح صيرورة التناقض. كاتبنا المتميز تألق و فاز بجائزة أحسن قصة قصيرة في 2010 في إذاعة بي بي سي إكسترا عن قصته القصيرة " ولد عيشة". كما ألف في نفس السنة مجموعته القصصية"وطن الخبز الأسود" دون نسيان روايته التي اختار لها عنوان"جدار". قصة "زفاف كلب مدلل" للقاص محمد مباركي تندرج في إطار الحكي العجائبي يجعلها تلج عالما مفارقا يجمع بين البشر والحيوانات. يستوقفنا العنوان للتأمل لا اعتبارا لبنيته التركيبة ، وإنما لبنيته الدلالية التي تستدعي مسارات مختلفة قابلة للامتلاء الدلالي. هذه البنية الدلالية تختزل في كلمة"مدلل" التي توحي أن مالك الكلب دلل ورفه و دلع "حيوانه الأليف" أي يعيش في غنج ويخضع لرغباته. هذه البنية الدلالية تعتمد على السخرية سواء تعلق بالتعارض بين العوالم الدلالية التي توحي بها البشر والحيوان أو المواربة من خلال مخادعته للقارئ باستعمال التهليل بوصفه الكثيف للعناية الكبيرة التي تمتاز بها الكلاب إلى درجة أنسنة هذه المخلوقات. لقد وظف القاص مباركي كذلك أساليب أخرى للسخرية فجعلها أداة لانتقاد بعض الظواهر الاجتماعية والأخلاقية كأسلوب التضمين كقوله" أضحك جمهور المصلين و المصليات أكثر من مرة حتى لغا الجميع.."ومن لغا فلا جمعة له". ومن خلال النص للأستاذ مباركي نجد أن السخرية حاضرة وبقوة..وجاءت متنوعة.. معتمدا التوهج والإثارة. إن التوهج والإثارة والتشويق، والإدهاش، يجعل قصة كاتبنا تتحقق فيها المفارقة وذلك من تقابل أو تضاد، أو رفض أو قبول، أو طوع أو تمنع... يعتمد محمد مباركي على الآليات التداولية الفاعلة في اللفظ بشكل كبير ،اعتبار السخرية تصفيفاsuperposition لخطابات متعارضة، يتكفل المتلفظ في الحقيقة و بشكل ضمني بواحد منها. إننا أمام قصة تتميز بثنائية البناء القائمة على التقابل بين أسلوبين في عرض الأحداث: الأسلوب المباشر الذي جسده شريط القصة، والأسلوب السردي الساخر الذي تضمنته لعبة المفارقة: عالم الأغنياء وعالم خفي يظهر من خلال البناء المزدوج للقصة، هذا فضلا عن اهتمام بعض رؤساء الجمعيات بالحيوانات لدرجة "التقديس": "يحفظ لها التاريخ القريب موقفا "بطوليا" في حرب البوسنة والهرسك، حين طالبت المجتمع الدولي بإرسال مساعدات غذائية وطبّية لكلاب وقطط هذا البلد المنكوب"، في ظرفية يفتقد فيها الإنسان العادي لأبسط الحاجيات. تروم السخرية في القصة اصطياد القارئ وتوريطه في فخ صدقية المتخيل السردي, وإيهامه باحتمالية المقروء. إننا أمام موهبة إبداعية متجددة: "الغرابة" في اللّذع أو التهكم بطريقة التورية القائمة على الغموض والمواربة والمقابلة بين الواقع والخيال. تم اعتماد السخرية أداة لوصف الشخصيات بطريقة هزلية انتقادية كاريكاتورية. وخاصة في بعض الصور اللغوية المستمدة من وصف الكلاب التي ترقى الكوميديا إلى الكاريكاتور لتطور نحو المفارقة المضحكة. د.قيسامي الحسين قصة قصيرة "زفاف كلب مدلل" ذ. محمد مباركي / وجدة / المغرب قصّ عليّ صديقٌ وفيٌّ قصة "زفاف" كلب مدلل يملكه ثري في إحدى المدن السياحية الساحرة من وطني.. وسقطت من كلامه سهوا، هويةُ ذلك الثري.. كان يملك كلبا من فصيلة نادرة.. ومن حبّه له أقسم بأغلظ الأيمان أن "يُزوّجه" من كلبة جميلة من فصيلته، فجنّد خدّامه للبحث عن هذه "العروس" السعيدة، مستعملا تكنولوجيا الاتصال عن بعد مع جمعيات وضيعات مربّي الكلاب في الداخل والخارج.. وأمر خدّامه بتعليق صور "العروس" المفترضة، كما رسمها أحد الرسّامين، على جدران الشوارع ومحطات الحافلات وسيارات الأجرة ومحطة القطار.. ولم يمر الحدث في المدينة دون تعليقات بعض الظرفاء.. ومنهم إمام مسجد بوسط المدينة.. والذي جعل من الحدث موضوع خطبة الجمعة.. طالب فيها السلطات بالتدخل لإبطال هذه الفضيحة.. وقال كلاما آخر لم يخل من التعريض والاستهزاء من الثري صاحب الفكرة، بأسلوب ساخر، تحول معه الإمام الخطيب إلى كوميدي بامتياز، أضحك جمهور المصلين والمصليات أكثر من مرة حتى لغا الجميع.. "ومن لغا فلا جمعة له".. واصل الناس نقل كلام الخطيب إلى مجالسهم للتندّر والبسط.. وتناقلت الصحف الوطنية والعالمية خبر"الزفاف" الموعود مرفوقا بصورة "العريس" و"العروس" المفترضة، فقدمت بذلك خدمة مجانية لذلك الثري في بحثه المحموم عن "عروس" لكلبه المدلل.. تقاطرت على الثري رسائل التهنئة من أصدقائه ومن رؤساء جمعيات الرفق بالحيوان.. وخاصة من فرنسا المعروفة برئيسة جمعية من هذا النوع.. كانت مشهورة منذ ستينات القرن الماضي كممثلة للإغراء والعري.. قالت في رسالتها أنها توّد حضور هذا الزفاف.. ورجت الثري أن يُقِمِ العرس بالطريقة المغربية التقليدية. فرح الثري بالرسائل التي تقاطرت عليه وفرحته كانت أعظم برسالة رئيسة الجمعية الفرنسية للرفق بالحيوان.. يحفظ لها التاريخ القريب موقفا "بطوليا" في حرب البوسنة والهرسك، حين طالبت المجتمع الدولي بإرسال مساعدات غذائية وطبّية لكلاب وقطط هذا البلد المنكوب. عرضت هذه السيّدة على الثري خدمات جمعيتها في مناسبته "العظيمة" تلك.. وثمّنت شرط انتماء "العروس" إلى فصيلة "العريس" حتى ينجبا جراءً أصيلة، في زمن اختلطت فيه السلالات الكلبية.. ودعته، بعد "العرس" إلى قضاء رفقة "العروسين" أسبوعين في ضيافتها.. فهي تسكن مع كلابها فيلا كبيرة.. تقاسمها هذه المخلوقات كل شيء في حياتها، من الحمّام ودورة المياه ومائدة الطعام إلى السرير.. فهي تحبّ كلابها إلى درجة العبادة.. هكذا قالت في رسالتها التي ختمتها بالدعاء "للعروسين" والصلاة من أجل سعادتهما "الزوجية" يوم الأحد. أعاد الثري قراءة الرسالة عدّة مرات على نفسه وقرأها على أصدقائه ومعارفه ومنهم صديقي.. واعتبر الثري هذه الرسالة صكّا من صكوك المحبّة بين البشر والكلاب. وفي إحدى الصبيحات جاءت الثري مكالمة من عاصمة البلاد، من أحد خدّامه يخبره أنه عثر على "العروس" في ملكية سيّدة أجنبية تعمل في السلك الدبلوماسي الأجنبي، لكنها ترفض بيع الكلبة أو "تزويجها".. أمر الثري خادمه أن يعرض على السيّدة ثمنا مغريا وإذا رفضت عليه أن يتصرف.. وأقفل الخط وهو يعلم شطارة خادمه الذي سيتصرف وفق ما تمليه عليه النازلة. تمكن الخادم بعد مفاوضات عسيرة من إقناع السيّدة الأجنبية ببيع كلبتها بثمن مغر، كذلك الثمن الذي تعرضه الشركات العملاقة على الشركات الصغرى لابتلاعها.. وجاء مسرعا ب "العروس" على أول طائرة، بعدما كان قد مرّ بها على صالون للحلاقة، حجزه لنصف يوم، فأخلاه صاحبه من الزبونات ليتفرغ الحلاقون ل "لعروس"، فحوّلوها إلى تحفة متحركة من الجمال "الكلبي". جاء الثري إلى المطار صحبة كلبه المدلل لاستقبال "العروس" ومرافقتها.. كان كلاهما يبصبص فرحا.. الكلب بذنبه والثري بمؤخرته.. نزل الخادم يحمل الكلبة بين ذراعيه، كانت حزينة ومتكبرة. ركب الجميع سيارة فارهة.. في مقاعدها الخلفية جلس الثري يتوسط "العروسين".. عانقهما عناقا حارا يليق بمقامهما في قلبه.. ومسح على فروتيهما مرات عدّة وحدثهما عن العرس وليلة الدخلة.. وكيف رتّب لهما مفاجأة سارة تتعلق بشهر العسل.. وراح يغني أغنية مشهورة: "اليوم ليلة الخميس.. الفرحة عندي في دارنا".. وعند الوصول وجد الثري قصره قد زُين بالورود المحلية والمستوردة وفرقة موسيقية تعزف للمدعوين أعذب الألحان الشرقية والغربية.. وغرق الجميع في سهرة باذخة امتدت حتى الفجر.. حضر المدعوون صحبة كلابهم المدللة، بمن فيهم رئيسة الجمعية الفرنسية صحبة كلبين كبيرين، أرهبا الكلاب الصغيرة بضخامتهما.. كانت هذه الرئيسة سيّدة السهرة بامتياز، تمشي بين الجميع متأبطة ذراع الثري وتوزع الابتسامات على المدعوين وتخصّ كلابهم بقبلات حارة تبعث على التقزز والغثيان..