نقلت الصحافة البرازيلية عن مصادر طبية نبأ وفاة سقراطيس، نجم كرة القدم وقائد المنتخب البرازيلي في كأس العالم 1982 في إسبانيا و1986 في المكسيك، في مستشفى بمدينة ساو باولو بعد إصابته بالتهاب معوي حاد. وقضى سقراطيس هذا الطبيب الذي فضل الاستسلام لمهاراته الكروية عوضا عن ممارسة مهنته الأصلية عن عمر يناهز 57 عاما بعد مسيرة كروية بدأت منذ عام 1974. ودع العالم اليوم السبت احد اكبر نجوم كرة القدم البرازيلية والعالمية سقراطيس، هذا الطبيب الذي فضل الاستسلام لمهاراته الكروية عوضا عن ممارسة مهنته الاصلية، واللاعب الذي نشط على الساحة السياسية لنصرة القضايا التي اعتبرها عادلة. انه الطبيب الذي لم يمتنع عن الاستمتاع بالتدخين وتناول الكحول، والرجل الذي رأى بفيدل كاسترو وتشي غيفارا ونجم البيتلز جون لينون القدوة بالنسبة اليه. انه اب لستة اولاد امضى فترة تقاعده بكتابة المقالات الشغوفة ان كان حول الرياضة او السياسية او الاقتصاد. فضل سقراطيس الاهتمام بدراسته اولا ونال شهادته في طب الاطفال، ثم تفرغ للكرة وهو في الرابعة والعشرين، واستطاع ان يثبت انه قادر على التفوق في الرياضة على غرار تفوقه في الدراسة، وبالفعل أصبح حالة خاصة في عالم الكرة الذي دخله متأخرا الا انه لمع فيه ونجح بامتياز بفضل شخصيته وحكمته وطبعا فنياته وموهبته انه البرازيلي سقراطيس او « الفيلسوف » كما يلقب. كان يفضل امتاع الجماهير على الفوز، ولانه رجل ذو مبدأ ضحى بمسيرته الاحترافية في الدوري الايطالي، الذي وصل اليه عام 1984 في صفوف فيورنيتا، وذلك بسبب المقاييس المادية التي تطغى على الكالتشيو وتفضيل الاندية للنتائج على حساب الفرجة. ولم يفكر طويلا قبل ان يعيد أدراجه الى البرازيل. وهناك وضع امام امتحان اخر، كان سياسيا هذه المرة بسبب نظام الحكم الديكتاتوري في البلاد، وكان اللاعب الوحيد الذي يبدي معارضته صراحة لما تعيشه بلاده من قهر وغياب للديمقراطية، وقاد مسيرة « دمقرطة » نادي كورينثيانز الذي كان يلعب له. قال « بقيت في ميدان كرة القدم فقط من اجل اخذ الثقل السياسي، لمحاربة المجتمع القمعي الذي يقوده الجيش ». لم يكن هناك أحد يقدر على الكلام بهذه الصراحة وأمام الملأ الا الفيلسوف ابن أحد العائلات البرازيلية المتوسطة من شمال البلاد، وبدأ ممارسة رياضته المفضلة في أحد أندية المنطقة المتواضعة، غير أنه فضل مواصلة دراسته في الطب على الكرة، وكان له ما أراد وحصل على دبلوم طب الاطفال عام 1979، ثم عاد الى الميدان الذي عشقه منذ الصغر. هذا اللاعب العملاق صاحب الطول الفارع (92ر1 م) كان يقدر على فعل كل شيء، فكان مفكرا جيدا في طرق اللعب، ومنظما لا يضاهى، وكذلك يستطيع تسجيل الاهداف، وتمكن من تسجيل 168 هدفا في 302 مباراة خاضها مع نادي كورينثيانز خلال خمسة مواسم، وقاد ناديه الى التربع على عرش الكرة في اميركا الجنوبية. كما كان سقراطيس أحد منظري المنتخب البرازيلي، وبرز في صفوفه بقوة، وأدى معه أحسن مباريات مشواره الرياضي الذي لم يدم الا تسعة أعوام. بدأ مشواره مع المنتخب في 23 اب/اغسطس 1979، خلال مباراة دولية ودية ضد الارجنتين، حيث تمكن من تسجيل هدفين، وابتداء من العام 1980 قدمه له المدرب تيلي سانتانا شارة قائد الفريق، وهذا لم يكن اختيارا بقدر ما كان لازما. وفي نهائيات كأس العالم 1982 في اسبانيا كان الجميع يرشح البرازيل للفوز باللقب، الا أن المنتخب الايطالي فوت هذه الفرصة على سقراطيس وزملائه برغم تألقهم. وكانت مباراتهم امام الاتحاد السوفياتي احدى أفضل المباريات في هذا المونديال، حيث تمكن السوفيات من التقدم بهدف، وفي آخر اللقاء عدل سقراطيس النتيجة قبل أن يضيف ايدير هدف الفوز لمنتخب بلاده في الثواني الاخيرة من المباراة. وفي عام 1984 وافق هذا « الرجل الغريب »، الذي يعتبر الكرة وسيلة للمصالحة بين الناس، على الانتقال الى ايطاليا للعب في صفوف فيورنتينا، غير أنه وفور وصوله الى هناك لم يستطع تحمل ضغط الكالتشيو، واقتنع أن هذا العالم ليس عالمه وقرر العودة الى بلده حيث أكمل مشواره مع نادي فلامينغو. كما شارك مع منتخب بلاده في نهائيات كأس العالم 1986 التي اقيمت في المكسيك، والتي خرج منها من الدور ربع النهائي على يد فرنسا بعد مباراة لا تزال عالقة حتى الآن في ذاكرة متتبعي الكرة وتعتبر من بين أحسن المباريات في القرن الماضي. وغادر سقراطيس عالم الكرة فجأة في نيسان/ابريل 1987 وفضل التفرغ لمهنته، معلنا بذلك نهاية مشوار فيلسوف ذو مبدأ مارس ذات يوم الكرة بأمانة واخلاص بعيدا عن الحسابات المادية التي صارت تلوث سماء هذه الرياضة لكنه لم يبتعد كثيرا فعاد ودافع عن الوان سانتوس (1988-1989) ثم بوتافوغو مجددا (1989) قبل ان يعتزل لحوالي 15 عاما ثم يعود الى الملاعب عام 2004 كمدرب ولاعب ولمدة شهر فقط مع فريق انكليزي من الدرجات الدنيا (غارفورث تاون).