لا يزال نجم كرة القدم البرازيلي السابق سقراطيس في العناية المركزة داخل المستشفى بعد إصابته بنزيف داخلي في المعدة وهو "بحال مستقرة" بحسب البيان الطبي الصادر عن مستشفى البرت اينشتاين في ساو باولو. وكان سقراطيس (57 عاما) قد خرج من المستشفى قبل نحو اسبوعين، في حين أفادت تقارير بانه سيحتاج على الأغلب لجراحة لإيقاف النزيف في معدته. وجاء في البيان ان سقراطيس نجم المنتخب البرازيلي في ثمانينات القرن الماضي "بقي في حال مستقرة في الساعات ال24 الاخيرة" وكان بحاجة لتخفيض جرعات الدواء للسيطرة على ضغط الدم. وتابع: "لا يزال سقراطيس في العناية المركزة بمساعدة اجهزة التخدير والتنفس الاصطناعي". وكان سقراطيس الذي غادر المستشفى في اب/اغسطس الماضي اعترف بشكل علني بأنه يشرب الكحول بكثرة لكنه تعهد وقفها نهائيا، كما اكد ذلك شقيقه راي، اللاعب الدولي السابق ونجم باريس سان جرمان الفرنسي سابقا. وذكرت زوجته ماتيا بانياريلي في الصحف المحلية اول من امس الثلاثاء عن احتمال اجراء عملية زرع في كبده بحال ازدادت حالته سوء. وشارك سقراطيس وسامه الكامل سامبايو دي سوزا فييرا دي اوليفيرا سقراط، في 60 مباراة دولية سجل خلالها 22 هدفا وكان قائدا للمنتخب البرازيلي في كأس العالم 1982 في إسبانيا و1986 في المكسيك لكنه أخفق في قيادة الفريق للتتويج باللقب. وأجل سقراطيس بداية مسيرته مع المنتخب حتى بلغ الخامسة والعشرين من عمره إذ حرص على الانتهاء من دراسته كطبيب. كما اهدر في كأس العالم 1986 في المكسيك إحدى ركلات الجزاء الترجيحية ليخسر المنتخب البرازيلي أمام نظيره الفرنسي في ربع النهائي. ودافع سقراطيس عن الوان اندية بوتافوغو (1974-1978) وكورينثيانز (1978-1984) وفيورنتينا الايطالي (1984-1985) ثم فلامنغو وسانتوس. وفضل سقراطيس الاهتمام بدراسته اولا ونال شهادته في طب الاطفال ثم تفرغ للكرة وهو في الرابعة والعشرين، واستطاع ان يثبت قدرة على النجاح في الرياضة كما في الدراسة، وبالفعل صار حالة خاصة في عالم الكرة الذي دخله متأخرا الا انه لمع فيه ونجح بامتياز بفضل شخصيته وحكمته وفنياته وموهبته، انه البرازيلي سقراط "الفيلسوف" حقا. كان سقراطيس يميل الى امتاع الجماهير بقدر رغبته في تحقيق الفوز، ولانه رجل ذو مبدأ، ضحى بمسيرته الاحترافية في الدوري الايطالي، الذي وصل اليه عام 1984 مع فيورنيتا، وذلك بسبب المقاييس المادية الطاغية وتفضيل الاندية للنتائج على حساب المتعة، فلم يفكر طويلا قبل ان يعود أدراجه الى البرازيل. وهناك وضع امام امتحان اخر، كان سياسيا هذه المرة بسبب نظام الحكم الديكتاتوري في البلد، وكان اللاعب الوحيد الذي يبدي معارضته صراحة لما تعيشه بلاده من قهر وغياب للديموقراطية، وقاد مسيرة "دمقرطة" نادي كورينثيانز الذي كان يلعب معه. وقال "بقيت في ميدان كرة القدم فقط من اجل اخذ الوزن السياسي، لمحاربة المجتمع القمعي الذي يقوده العسكر". وكان يقتدي في طفولته بفيديل كاسترو وتشي غيفارا وجون لينون. ولم يكن هناك من يستطيع الكلام بهذه الصراحة وعلى الملأ، الا "الفيلسوف" ابن أحد العائلات البرازيلية المتوسطة من شمال البلاد، وبدأ ممارسة رياضته المفضلة في أحد أندية المنطقة المتواضعة، غير أنه فضل مواصلة دراسته في الطب على الكرة، وكان له ما أراد وحصل على دبلوم طب الاطفال عام 1979، ثم عاد الى الميدان الذي عشقه منذ الصغر. وكان هذا اللاعب العملاق (92ر1 م) ذو الارجل الطويلة قادرا على فعل كل شىء، فكان يفكر بتركيز في طرق اللعب وتنظيم الصفوف بشكل لا يضاهيه فيه احد، وكذلك تسجيل الاهداف، وتمكن من تسجيل 168 هدفا في 302 مباراة خاضها مع نادي كورينثيانز خلال خمسة مواسم، وقاد ناديه الى التربع على عرش الكرة في اميركا الجنوبية. وكان سقراطيس أحد منظري المنتخب البرازيلي وبرز في صفوفه بقوة وأدى معه أفضل المباريات خلال مسيرته الرياضية التي دامت تسعة أعوام. وبدأ سقراطيس مشواره مع المنتخب في 23 اب/اغسطس 1979 خلال مباراة دولية ودية ضد الارجنتين، حيث تمكن من تسجيل هدفين، وابتداء من العام 1980 منحه المدرب تيلي سانتانا شارة القائد، ولم يكن هذا اختيارا بقدر ما هو حاجة. وفي نهائيات كأس العالم 1982 في اسبانيا، كان الجميع يرشح البرازيل للفوز باللقب، الا أن المنتخب الايطالي فوت هذه الفرصة على سقراطيس وزملائه برغم تألقهم. وكانت مباراتهم امام الاتحاد السوفياتي احدى أفضل المباريات في هذا المونديال، حيث تمكن السوفيات من التقدم بهدف، وفي اخر اللقاء عادل سقراط النتيجة قبل أن يضيف ايدر هدف الفوز لمنتخبه في الثواني الاخيرة. وفي عام 1984 قبل هذا الرجل الغريب -الذي يعتبر الكرة وسيلة للمصالحة بين الناس- الانتقال الى ايطاليا للعب في صفوف فيورنتينا، وفور وصوله الى هناك لم يستطع تحمل ضغط الدوري واقتنع بأن هذا العالم ليس عالمه فقرر العودة الى بلده حيث أكمل مشواره مع نادي فلامنغو. شارك سقراطيس مع منتخب بلاده في نهائيات كأس العالم 1986 التي اقيمت في المكسيك، والتي أخرجت فيها فرنسا البرازيل، من الدور ربع النهائي بعد مباراة لا تزال عالقة حتى الآن في الذاكرة وتعتبر احدى أفضل المباريات في القرن الماضي. وغادر سقراطيس عالم الكرة فجأة في نيسان/ابريل 1987 وفضل التفرغ لمهنته، معلنا بذلك نهاية مشوار فيلسوف ذي مبدأ مارس ذات يوم الكرة بأمانة واخلاص بعيدا عن الحسابات المادية التي صارت تلوث سماء هذه الرياضة